ناقوس خطر حقيقي... مداخلة الأمين العام للتنظيم الوحدوي في منتدى اليمن الدولي

Author Icon الدكتور / علي العسلي

فبراير 19, 2025

اليمني الجديد

لا تُبنى الدول بالتعايش مع الميليشيات أو الجماعات المسلحة، فوجودها يقوّض سيادة الدولة ويجعلها بيئة خصبة للتدخلات الخارجية. هذه الحقيقة تُبرهنها تجارب عديدة، أبرزها السودان واليمن. في السودان، أدى انتشار الجماعات المسلحة إلى تفتيت الدولة وانفصال الجنوب، كما أن قوات الدعم السريع، التي أسسها نظام البشير، تحوّلت من مجرد تشكيل صغير إلى جيش ضخم مدعوم خارجيًا، يضم مئات الآلاف من المسلحين المدربين، مما أدى إلى صراع دموي يهدد بقاء الدولة السودانية نفسها.

أما في اليمن، فقد سمح الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح بتأسيس "حركة الشباب المؤمن"، النواة الأولى للحوثيين، بهدف موازنة القوى مع التيارات السلفية والإصلاح. واليوم، أصبحت هذه الجماعة، بعد انقلابها وسيطرتها على مقدرات الدولة، قوة عسكرية كبيرة مدعومة خارجيًا، متسلحة ومدربة على مستوى عالٍ، مما فتح الباب أمام تدخلات إقليمية ودولية لا تُبالي بمصير اليمن بقدر اهتمامها بمصالحها الخاصة.

في هذا السياق، جاءت مداخلة الأستاذ عبد الله نعمان، الأمين العام للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، في منتدى اليمن الدولي الذي عُقد مؤخرًا في عمّان.

كانت كلمته بمثابة ناقوس خطر ينبغي الإنصات له، والعمل على ترتيبات داخلية سريعة لإنقاذ الشرعية من التآكل، إذ سلط الضوء على أزمات الشرعية والتنازع داخل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، محذرًا من مخاطر استمرار هذا الوضع دون معالجة جذرية وفق المرجعيات المتفق عليها.

أكد نعمان أن هناك خصامًا داخلياً بين أعضاء مجلس القيادة وبين المجلس والحكومة، مما يخلق بيئة من الفشل والتعثر ويُعطل استعادة الدولة.

وأوضح أن الحل يكمن في الالتزام الصارم بالمرجعيات المعلنة في قرار نقل السلطة، والبيان الختامي لمشاورات الرياض، واتفاق الرياض، حيث تُحدد هذه المرجعيات بدقة الصلاحيات الحصرية والمشتركة، وتمنع أي تداخل أو تضارب بينها. إثارته لهذه النقطة ربما تعود إلى علمه بجوهر الخلافات داخل الشرعية، والذي ينبغي إنهاؤه بالالتزام الفوري بالمرجعيات الحاكمة.

إحدى أخطر النقاط التي أثارها المحامي نعمان هي التحذير من تحول الشرعية اليمنية إلى "شرعية مؤقتة"، يتم استبدالها باستمرار، مما يُضعف الموقف الوطني ويفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الخارجية. المطلوب دمج التشكيلات العسكرية في الجيش الوطني والأمن بشكل فوري.
كما ينبغي التوقف عن الترويج لإحداث تغييرات في مجلس القيادة الرئاسي، بل ينبغي الضغط عليه للالتزام بالمرجعيات حتى يعبر باليمن إلى بر الأمان، بدلًا من متاهة التنقل من شرعية إلى أخرى حتى التلاشي، وبالتالي السماح للحوثيين بالسيطرة كأمر واقع.

وأوضح نعمان أن المشكلة ليست في الأشخاص، وإنما في عدم التزامهم بالمرجعيات التي تحدد مسار استعادة الدولة، فإذا استمر قادة الشرعية في تجاهل هذه المرجعيات، فإنهم يُهيئون البيئة لفقدان المشروعية، وربما يمهدون الطريق لاستكمال الحوثيين السيطرة على البلاد كلها.
وبحسب نعمان، فإن فشل الشرعية يعود إلى عدة عوامل، منها تغييب اليمنيين عن اختيار القيادة، حيث تم تصميم الحل السياسي خارجياً دون إشراك المكونات الوطنية في صنع القرار وتنفيذه، مما جعل التعثر أمرًا طبيعيًا. كما أن غياب الإرادة الجادة للإصلاح جعل الوضع أكثر تعقيدًا، إذ لم تُبذل حتى الآن جهود جادة لمعالجة الإخفاقات، سواء من قبل مجلس القيادة الرئاسي، أو القوى الإقليمية والدولية التي صممت الحل، أو حتى الأحزاب اليمنية نفسها التي تتحمل جزءًا من المسؤولية.

نعم! إن التنافس الإقليمي والدولي يُشكل عائقًا كبيرًا أمام استقرار اليمن، حيث تسعى قوى مثل عُمان وقطر وتركيا، بالإضافة إلى إيران، الخصم الرئيسي لدول الإقليم، إلى بسط نفوذها في اليمن عبر دعم أطراف مختلفة، مما يُفاقم الأزمة بدلاً من حلها. غير أن جوهر المشكلة ليس فقط في وجود تدخل خارجي، بل في أن بعض القوى المحلية تُسهل هذا التدخل وتنفذ سياساته على حساب المصلحة الوطنية.

ومن النقاط المهمة التي أثارها الأمين العام عبد الله نعمان أن مجلس القيادة الرئاسي لا يُمارس دوره كهيئة جماعية، بل كأفراد متناحرين، مما يُفرغه من شرعيته. فشرعية المجلس تنبع من هدفه الأساسي: إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، وإذا فشل في تحقيق ذلك، فإنه يفقد مبرر وجوده. وكما قال نعمان، ليس صحيحًا أن المجلس يعمل بدون مرجعيات واضحة أو لوائح تنظيمية، بل إن هناك نصوصًا دستورية واتفاقات ناظمة، مثل قرار نقل السلطة ومرجعياته (الدستور، المبادرة الخليجية)، واتفاق الرياض، ومخرجات المشاورات اليمنية-اليمنية بالرياض. كل هذه المرجعيات تُحدد بوضوح العلاقة بين المجلس والحكومة، لكنها لم تُحترم، مما يخلق حالة من التنازع على الصلاحيات.

ويرى نعمان أن حل هذه المعضلة يكمن في العمل تحت سقف الجمهورية اليمنية، والالتزام الصارم بالمرجعيات المعتمدة، وإنهاء التنازع الداخلي، والاتفاق على خارطة طريق واضحة لاستعادة الدولة. كما شدد الأمين العام على ضرورة التسليم بأن مستقبل اليمن لن يُقرر إلا بعد بسط سيادة الشرعية على كامل الأراضي اليمنية، ووقف الصراعات الداخلية بين القوى الشرعية، لأن استمرارها يُضعف الجميع ويُقوي الحوثيين.

اختتم نعمان حديثه بتحذير شديد اللهجة: إذا لم يتم تدارك هذه الأوضاع، فإن المجتمع الدولي قد يجد نفسه مضطرًا لتسليم اليمن للحوثيين، أو قد يفرض نموذجًا شبيهًا بالسيناريو السوري. وتساءل: هل سنشهد قريبًا ظهور "أبو محمد اليمني"، كما ظهر "أبو محمد الجولاني" في سوريا، ليكون واجهة جديدة لمستقبل اليمن؟

ختامًا، لم تكن تصريحات الأستاذ عبد الله نعمان مجرد مداخلة سياسية عابرة، بل كانت صرخة تحذير من مكوّن أساسي في الشرعية اليمنية، تُحمّل القيادة الشرعية مسؤولية إنقاذ اليمن أو التسبب في ضياعه. ومع إدراك خطورة الموقف، فإن الحلول واضحة لكنها تتطلب إرادة سياسية حقيقية.
أولًا، لا بد من فرض الالتزام الصارم بالمرجعيات الحاكمة كقرار نقل السلطة واتفاق الرياض، لمنع استمرار التنازع الداخلي الذي يُضعف الشرعية. كما أن دمج التشكيلات العسكرية تحت قيادة موحدة وإعادة هيكلة الجيش والأمن بات ضرورة ملحّة، لتفادي تكرار سيناريو "الدعم السريع" في السودان.
وعلى الصعيد السياسي، يجب إعادة ضبط العلاقة مع التحالف العربي وفق المصالح الوطنية، ومنع أي تدخلات تُكرّس الانقسام داخل الصف الشرعي. كما أن إعادة إحياء المؤسسات الرقابية والبرلمان سيضمن تصحيح المسار، ويمنع أي انحراف عن الهدف الأساسي، وهو استعادة الدولة.
اقتصاديًا، فإن توحيد السياسات النقدية والمالية، وتعزيز موارد الدولة عبر ضبط الإيرادات النفطية، سيقلل من انهيار العملة، ويمنح الحكومة قوة تفاوضية أكبر. أما إعلاميًا، فمن الضروري تبني خطاب سياسي موحد لمجلس القيادة الرئاسي، لكشف تناقضات الحوثيين وتعزيز موقف الشرعية محليًا ودوليًا.
باختصار، إنقاذ اليمن يتطلب خطوات عملية عاجلة، تبدأ بتوحيد القيادة، دمج التشكيلات في الجيش الوطني والأمن، ضبط التحالفات الخارجية، وإنعاش الاقتصاد. خلاف ذلك، فإن استمرار الانقسامات سيؤدي إلى تفكك الشرعية وتلاشي الدولة، مما يُفسح المجال أمام الحوثيين لترسيخ سلطتهم كأمر واقع. الكرة الآن في ملعب مجلس القيادة الرئاسي، فإما أن يتحرك سريعًا لإنقاذ البلاد، أو أن يكون شاهدًا على انهيارها.

زر الذهاب إلى الأعلى