تحديات الحل التصاعدي
من الواضح أن حل الأزمة اليمنية لن يأتي من الأعلى إلى الأسفل، أي عبر إصلاح القيادة ثم انتقال الإصلاح تدريجيًا إلى المستويات الأدنى، حتى يصلح حال الشعب. لقد أثبتت التجربة على مدى السنوات الماضية أن القيادة الحالية ليست فقط غير قادرة على تحقيق التغيير المنشود، بل إنها تبدو منفصلة تمامًا عن الواقع اليومي الذي يعيشه المواطنون. تعيش في وادٍ بعيد، بينما يعاني الشعب في وادٍ آخر، يرزح تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية المتفاقمة دون حلول حقيقية أو تدخل فعّال من الجهات التي يُفترض أن تتحمل مسؤولية إدارة البلاد.
لهذا السبب، قد يكون الأمل الوحيد المتبقي أمام اليمنيين هو الخيار الأصعب، وهو التغيير من الأسفل إلى الأعلى، بحيث يبدأ الشعب نفسه بتحمل مسؤولية إصلاح أوضاعه عبر خطوات عملية على الأرض. يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء مجالس محلية في كلِّ منطقةٍ ومدينةٍ، بحيث تتولى هذه المجالس مسؤولية تنظيم شؤون مجتمعاتها، وتحسين الخدمات، والمطالبة بالحقوق، والعمل على فرض واقع جديد يعبّر عن تطلعات المواطنين. ومع مرور الوقت، يمكن لهذه المجالس أن تتحد داخل كل محافظة، ثم تنسق جهودها على مستوى الوطن، مما يهيئ لظهور قيادة جديدة تنبثق من إرادة الشعب وتمثّله بصدق، أو على الأقل تفرض على القيادة الحالية أن تتكيف مع مطالب الشارع، بدلاً من الاستمرار في إدارة البلاد وفق مصالحها الخاصة بعيدًا عن الواقع.
لكن هذا الحل، رغم وجاهته، يواجه عقبات كبرى، أبرزها الفساد المستشري في أعلى هرم السلطة والتدخلات الخارجية التي تؤثر بشكل مباشر على مسار الأحداث في اليمن، مما يجعل أي تغيير جذري أمرًا بالغ الصعوبة. إلا أن العائق الأكبر الذي يقف في وجه هذا الحل التصاعدي ليس فقط العوامل الخارجية أو القيادات الفاسدة، بل أيضًا الثقافة الحزبية التي تجذّرت في المجتمع بطريقة مشوّهة، حيث باتت الولاءات الحزبية تطغى على المصالح الوطنية، مما يعيق أي جهود حقيقية للتوحد خلف مشروع وطني جامع.
وهنا يبرز التساؤل الجوهري: هل يستطيع الشعب تجاوز الحزبية، أو على الأقل تعليقها لعدة سنوات، والتركيز على مصلحته كمواطن قبل أن يكون تابعًا لحزب أو تيار سياسي؟ إن تجاوز هذا العائق يتطلب وعيًا جماعيًا عميقًا وإرادة حقيقية للتغيير، بحيث تكون الأولوية للمصلحة العامة وليس للصراعات الضيقة التي لم تنتج سوى مزيد من الانقسامات والضعف.
إذا أراد اليمنيون النهوض من أزمتهم، فعليهم البدء بخطوات عملية، وأهمها توحيد الجهود عبر مجالس محلية قوية وفاعلة، تعمل بشكل مستقل عن الأجندات الحزبية، وتكون قادرة على فرض إرادتها الشعبية. من الضروري أن يكون لكل منطقة مجلس واحد يشمل الجميع، لا مجالس متنافسة تتصارع فيما بينها، لأن التشرذم لن يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى. من أراد المساهمة، فليعمل على تعزيز المجلس القائم، وتطويره، وجعله أكثر كفاءة بدلاً من إنشاء كيان جديد يزيد من حالة التشظي والانقسام.
إن ما يجمع اليمنيين أكثر مما يفرقهم، وحان الوقت للعمل الجماعي القائم على المسؤولية المشتركة، بدلاً من الاستمرار في مستنقع الصراعات التي لا تخدم سوى الفاسدين، وتطيل من معاناة الشعب الذي يدفع وحده ثمن هذه الأزمات.