خراب مالطا... نهاية مأساوية لتركة ثورة 26 سبتمبر المجيدة!
ما أشبه اليوم بالبارحة، بل هو أسوأ من كل البارحات،فاليمن، الذي أنجز أعظم ثورة في تاريخه الحديث — ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 — التي أخرجته من ظلمات الإمامة إلى نور الجمهورية، يُساق اليوم إلى حضيض الإمامة مجددًا؛ ولكن هذه المرة عبر تدمير ممنهج، وتحت غطاء شعارات خادعة، ومقاومة زائفة، وتحدٍّ وهمي لما يُسمّى "الاستكبار العالمي"!
اليمن... بين فكي جماعة الخراب وأطماع الخارج
من المؤلم الحديث عن اليمن كأجزاء، وهو الذي توحّد تحت راية الجمهورية، لكنه اليوم يُنهك تحت عدوان جماعة انقلابية مسلّحة، لا شرعية لها ولا مشروعية، استباحت مقدّرات الدولة، وعاثت في مؤسساتها فسادًا، ودفعته إلى ما يشبه "خراب مالطا" — وهو مصطلح شعبي يُطلق على حال الانهيار والفوضى الشاملة.
رفعت هذه الجماعة شعارات "العداء لأمريكا" و"نصرة غزة"، ثم سلّمت أوراقها للوسيط العُماني للتسليم بما يمليه الأمريكي، وتوقفت عن القتال بإشارة واحدة منهما، وبقيت صواريخها الإعلامية "الفرط" ترعد وتتوعد وتحذّر.
ولكن، متى وافقت أو استسلمت هذه الجماعة؟ بعد أن تسببت في دمار كل ما تبقى من مكتسبات ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة!
أتوقف هنا لأطالب مسؤولي الشرعية، لا بالكتابة والظهور الإعلامي كمحللين ومنجمين بشأن ما أعلنه الرئيس الأمريكي السيد ترامب ليلة أمس، بل بإبراز مواقف واضحة، وضخ معلومات من مصادر موثوقة، ليكون الشعب على بيّنة، بغض النظر عمّا إذا كان الإعلان الأمريكي قد تم بالتوافق مع إيران، أو بالتوازي معها، أو خلافًا لها؛ فالنتيجة أن هناك اتفاقًا سريًا جرى بين الأمريكيين والحوثيين، أعلنه ترامب أمس، والشرعية غائبة عنه أو مُغيَّبة! وعليها أن تطلب توضيحًا من سفير الولايات المتحدة الأمريكية، وتتخذ موقفًا بناءً على ذلك.
آلة الدمار... لا تُبقي ولا تذر
لقد طالت آلة الدمار — المدفوعة بأجندات خارجية وبتواطؤ مباشر أو غير مباشر مع هذه الجماعة — المطارات، ومصانع الإسمنت، ومحطات الكهرباء، وخزانات الوقود، وحتى الطائرات المدنية القليلة في مطار صنعاء، التي أُحرقت فأحرقت معها قلوبنا. كل هذه المنجزات، التي شُيّدت بعرق اليمنيين، وبدعم سخي من الأشقاء والأصدقاء في سبعينيات القرن الماضي، واستمر بناؤها خلال خمسة عقود تالية رغم تعاقب الحكومات، دُمّرت في لمح البصر.
هذه الجماعة لا تبالي، حتى لو أُبيد الشعب اليمني عن بكرة أبيه، طالما بقيت مغتصِبة للعاصمة، محتلة لمؤسسات الدولة، قابضة على أنفاس ملايين اليمنيين!
شعارات جوفاء وجرائم مكشوفة
تحت لافتات "العداء لأمريكا" و"نصرة غزة"، ارتُكبت أبشع الجرائم بحق وطن وشعب. قُتل الناس، ودُمّرت الدولة اليمنية التي بنتها الجمهورية بتضحيات الأجيال، وتحولت المطارات إلى ركام، والموانئ إلى أطلال، والمصانع إلى رماد.
إنها جماعة استدعت، على نحوٍ مشحون بالسَّفَه، كل هذا الخراب — كما قال السفير والمفكر ياسين سعيد نعمان — بسلوك مشبوه يعكس قطيعة مع المصالح الوطنية، ويضعها في مواجهة مع الشعب اليمني، الذي هو صاحب المصلحة الحقيقية في هذه المقدّرات.
الحوثيون... خيانة علنية باسم الإسناد ومواجهة العدوان
ما يدعو للسخرية أن الجماعة التي ظلت تزايد بخطاب "العداء لأمريكا"، وتعتقل كل من ينصحها بعدم استفزازه، هي نفسها التي توقفت عن أي عمل عسكري فور إشارة من واشنطن عبر الوسيط العُماني.
فهل كانت الحرب من أجل غزة حقًا؟
أم كانت لتصفية منجزات اليمن الجمهوري؟
أم أنها حرب عبثية دفعت البلاد إلى حافة الانهيار، لخدمة مشروع طائفي فئوي متخلّف، ودور وظيفي عميل لمصلحة إيران؟
دمار بلا هدف... وبطولات وهمية
لقد دُمّرت المنشآت المدنية والاقتصادية — مصانع الإسمنت، محطات الكهرباء، خزانات الوقود، الطائرات المدنية — وهي لا علاقة لها بأي صراع عسكري. لكن الجماعة والمتخادمين معها اختاروا استهدافها عمدًا.
ولم يسلم من التخريب والتدمير إلا الحوثي وأوكاره، وشبكة عصابته المصنَّفة أمريكيًا بالإرهاب. لكنهم — في نظر هذا "المُصنِّف" — قد ادّعوا التوبة، وظهروا فجأة في عباءة "السلام"، ولا يريدون أي قتال... أي منطق يقبل هذا منهم؟!
أي سلام هذا، وخراب اليمن يملأ الأفق؟!
لقد دمّروا البنى التحتية والأعيان المدنية التي شيّدتها الجمهورية، وبدعم سخي من أشقائها وأصدقائها. وفي النهاية، يخرج الحوثي ليزعم النصر، وكأن خراب الوطن هو النصر المنشود!
عودة الإمامة بعباءة الجمهورية
ما نشهده اليوم هو نسخة جديدة من الإمامة القديمة، بوسائل أكثر خداعًا وتضليلًا. فبينما تُرفع شعارات وطنية، يُمارَس التمييز، والاستبداد، والحكم السلالي.
الحوثة وداعموهم يتفنّنون بوسائل أكثر دهاءً وخداعًا: شعارات وطنية كاذبة، وادعاء النصرة والحميّة لغزة،
بينما يُمارسون القتل والتنكيل باليمنيين، ويُخفون وراء ذلك الاستبداد والتمييز والحكم السلالي.
الشعب اليمني، منذ اغتصابهم للعاصمة وبعض المحافظات، يُعاني الجوع، والفقر، والقهر، بينما يتنعّم قادة الجماعة في بذخ فاحش.
حتى مناطق الشرعية لم تسلم من استهدافهم؛ فقد استهدفوا موانئ تصدير النفط ولا يزالون. إنهم حقًا مؤذون ومتخادمون مع دول أخرى، بالإضافة إلى إيران.
ولله دَرّ أحد القضاة الثقات، ممن خرجوا من سجونهم، حين كتب واصفًا المعاناة، فقال:
"لقد طفح الكيل ونحن صامتون، وأفواهنا مكمّمة، يُمارَس ضدّنا الخوف والتجويع والإرهاب، تحت غطاء محاربة العدوان الأميركي... هذه ليست حياة، بل مجرد بقاء على قيد الحياة."
خاتمة: شعب سبتمبر لا يُهزم!
يُعلن الانقلابيون التحدي، ثم يرضخون لإشارات واشنطن، بعد أن يكونوا قد دمّروا الوطن!
نعم، لقد أوصلونا إلى "خراب مالطا" حقًا...
لكن شعب السادس والعشرين من سبتمبر
لن يُهزم.
لن تُمحى ذاكرة التضحيات،
ولن تُدفن أحلام الجمهورية تحت أنقاض المشروع الكهنوتي.
فالحقيقة لا تُقهر،
والحق لا يموت،
والحوثي — بالشرعية الممثّلة للشعب، أو بالشعب ذاته — إلى زوال!