لقادة الإنتقالي: افهموا .. لا تجزئة لليمن!!

Author Icon محمد علي محسن

يوليو 8, 2025

يوماً بعد يومٍ، يزداد الواقع تعقيداً وتأزيماً، واقعٌ لم يرتسم في مخيلة أكبر المتشائمين أو المتفائلين. كان لابد من إعادة النظر في كثير من المسائل الوطنية.

للأسف، لم تحدث هذه المراجعة. فالساحة الآن ليست هي الساحة قبل عقدين أو يزيد. المتغير هنا أن المجتمع تبدلت حاله، وأفكاره، ونفسيته، وقضاياه، وحياته، واحتياجاته، وغاياته.

فهذه جميعاً غيَّرت الأمزجة والقناعات. فمن كان همّه وطناً بدولتين أو دولة عادلة ومنصفة للجميع، بات أسيراً عاجزاً عن تلبية حاجاته اليومية الضرورية.

تبدلت المعطيات موضوعاً وذاتاً؛ وكان لابد من الحديث عن المشتركات أو ما يُطلق عليها "التوافقات السياسية". ومع كل هذه التحولات، بقيت الأطراف المكونة للسلطة الشرعية ثابتةً عند تلك المسافة الفاصلة، غير قابلةٍ لأي تنازلاتٍ مهما كان نوعها أو واقعيتها.

سأبدأ بالأهم: المكونات الجنوبية، وفي طليعتها المجلس الانتقالي وقادته، بوصفهم سلطة الأمر الواقع. فهؤلاء، وعلى الرغم مما أفرزته مجريات الأحداث، بقوا على ذات المنوال القديم، دون أي محاولة جادة وجريئة للتحرر من حقبة معارضة النظام السابق.

على أقل تقدير، كان لابد أن يحدث تناغمٌ ما بين خطابهم الشعبوي العاطفي الذي ساد في زمن الرئيس صالح، وبين خطابهم وهم في موقع المسؤولية، وقد صاروا جزءاً من منظومة سياسية شكلتها الحاجة والضرورة لإعادة صياغة الدولة اليمنية الاتحادية.

للأسف، هذا الانسجام، أو لنقل المواءمة، لم تحدث بين رؤية صاغها الاضطهاد والإقصاء السائدان خلال فترة ما بعد حرب صيف ١٩٩٤م، وبين رؤية صنعتها الظروف القائمة التي لم تكن في حسبان أحد، وهي نتاج مرحلةٍ تشاركية مختلفة جذرياً عمَّا ساد أو رَسَب في الذهنية والنفسية.

وطالما أنهم في كابينة سفينة واحدة، كان يتوجب عليهم إعادة ضبط البوصلة وفق رؤيةٍ جديدة تفضي إلى نهايةٍ واضحة ومأمونة.

وطبعاً، هذا المسار غير معتاد وغير تقليدي، وربما يصطدم مع رؤيةٍ وخطابٍ وأتباعٍ غير مستعدين أو مستوعبين للتغيير الحاصل في مجمل الحالة السياسية في اليمن.

المؤسف أنهم غير جاهزين أو مستوعبين – أيضاً – لما أنتجته الأحداث المتتالية في زمن الحرب أو ما قبلها. لهذا لا تتوافر لديهم الشجاعة للإفصاح بصعوبة تجزئة اليمن، على الأقل في الظروف الراهنة. جميعهم – دون استثناء – يخشون مواجهة أتباعهم بهذه الحقيقة ، وبهذه الكلمات القليلة.

والأمر لا يقتصر على قادة الانتقالي فحسب، بل يشمل – أيضاً – قادة المكونات الجنوبية الأخرى. فمعظم هؤلاء يُزايدون باسم الجنوب، دون أن تكون لديهم أي فكرة بديلة للوضع القائم جنوباً؛ فما هم إلَّا بيانات وخطابات لا تُشبع جائعاً ولا تُعالج مشكلة.

والأمر المُخيف أن هذه الفصائل الجنوبية المناوئة للانتقالي لا تملك أي خيارٍ أو معجزة يُعتد بها للمعالجة، خصوصاً مع الحالة الشاذة الناتجة عن تعدد السلطات والمسارات والغايات.

والأخطر من كل ذلك أن أحداً – سواء قادة الانتقالي أو مناوئوهم – يُقدِّر معاناة النَّاس الناتجة عن إصرارهم على تحقيق مكاسب سياسية بالصدام أو السفاح، وباغتصابٍ فَجٍّ وفاضح لمَن يُفترض أنها سلطة تمثل اليمن عمومًا.

وبصيغة أكثر دقة: تسبب الانتقالي لذاته في ورطةٍ حقيقية؛ فبرغم كونه كياناً سياسياً يعوِّل عليه أنصاره في فرض تطلعاتهم برؤيته المُغايرة والمتصادمة – كليّاً وجزئيّاً – مع التطلعات والرؤية الموضوعة لكل اليمن؛ إلا أن تجربة الأعوام الفارطة أثبتت لمنتسبيه ومعارضيه على حد سواء عجزه عن الوفاء بأي من وعوده السياسية النظرية.

المهمة صعبة. والقوة والقبضة الأمنية ربما أفلحتا في السيطرة، لكنهما غير كافيتين ولا يمكن أن تخلقا وضعاً آمناً ومستقراً إلى ما لا نهاية. فدون غطاءٍ سياسي، ودون امتلاك وسائله وأدواته، يستحيل إنفاذ أي تطلعات سياسية.

شخصيًا، لا أتوقع منهم حلًّا أو مقاربة من أي نوع؛ ذلك أنهم غير مستعدين أو مُستوعبين لفكرة وجود رؤية مغايرة لحل أزمة اليمن.

مثلت الأعوام العشرة الفارطة أكبر اختبارٍ للقادة الجنوبيين، وضعتهم في مكانةٍ لم تخطر في بال أكثر المتفائلين بفك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية إلى حدودها ومساحتها.
وبرغم أنهم صاروا سلطةً وتوافرت لهم السطوةً والقوةً، إلا أن المسألة لم تصل بعد إلى امتلاك القرار والتفرد بكل شاردةٍ وواردة؛ فقد بقيت هذه السلطة رهينة اعتبارات الموالاة وطبيعة الأجندة والتحالفات الإقليمية والدولية.

كان الزمن الفارط كفيلاً بتشكُّل قناعات جديدة للبعض، أو إعادة التفكير فيما سبق رفضه أو طرحه، ولو على استحياء وبعيداً عن الأتباع أو القادة الراديكاليين.

في المحصلة، لم يتمكنوا من مواكبة الأفكار القائلة بخيار الدولة الثنائية أو المتعددة الأقاليم. وهذا الاعتقاد الراسخ لديهم دون سواه، أوصلهم إلى وضعية لا يتمناها أحدٌ لهم.

وإذا ما استمروا على حالهم المعتاد، سيجدون أنفسهم خارج سياق التاريخ والعصر والمصلحة الجمعية، بل لا من الجنوب ولا من اليمن...

 

زر الذهاب إلى الأعلى