هذيان الانتصار والإصرار على الأخطاء

Author Icon حسين الوادعي

أكتوبر 30, 2025

‏سألني صديق قبل شهور: لماذا أدّت هزيمة يونيو 1967 إلى مراجعات فكرية عميقة واعتراف صريح بالهزيمة، بينما لم تُفضِ نكسة/نكبة أكتوبر 2023/2024 إلى نتيجة مشابهة؟
على العكس من ذلك، ورغم أن الآثار الكارثية للنكسة الجديدة تفوق كل هزائم الأنظمة العربية السابقة، إلا أن هذيان الانتصار والإصرار على الأخطاء يزداد ولا يتراجع.

وقتها كان جوابي أن السبب ببساطة هو أن الحرب لم تنتهِ بعد، وأنه حين تضع أوزارها لن يرى الناس سوى واقع الخراب والكارثة، وسينخرطون في مراجعات فكرية لا تقلّ أهمية عن تلك التي تلت عام 1967.

لكن يبدو أنني كنت متفائلًا أكثر مما ينبغي!

فبرغم التوقف الفعلي للقتال، وهيمنة إسرائيل المطلقة على المنطقة، واستمرار آلة الموت والدمار غير المسبوق… لم يتغيّر شيء. بل ازداد وهم النصر رسوخًا.

وربما لذلك أكثر من سبب.

أولًا: لأن الهزيمة كانت ساحقة ومدمّرة إلى حدٍّ يجعل الاعتراف بها قاسيًا على المستوى الفردي والجماعي. فذلك الاعتراف يعني مواجهة حالة من الاكتئاب واحتقار الذات، لا تقدر النفس العربية الجريحة على تحمّلها، فتلوذ بادّعاء الاستمتاع بالخازوق الذي يخترقها من الدبر حتى الرأس.

ثانيًا: لأن المسؤول عن الهزيمة هذه المرة ليس نظامًا أو دولة كما في الستينيات، بل ميليشيات متحلّلة من أي مسؤولية. فهي لا ترى نفسها معنيّة بحياة الناس أو أرواحهم، ولا بإطعامهم أو إعادة بناء ما دمّرته مغامراتها. الدولة تسقط حين تنهزم ويعاني شعبها، أما الميليشيا فتبقى فوق الجميع، بلا حساب ولا مساءلة.

ثالثًا: لأن هناك ضخاَ إقليميًا وقطريًا مفرطاً للدفاع عن حماس و7 أكتوبر، مدعومًا بآلة إعلامية ضخمة لجماعة الإخوان، تساندها بدورها المنصّات الإعلامية العالمية لليسار الجديد والليبراليين التقدميين المتماهين مع أجندة حماس وحزب الله وسائر تيارات الإسلام السياسي.

كل هذه العوامل تُعيق إطلاق المراجعة الفكرية الضرورية.
لكن الانفجار الذاتي الناتج عن التناقض، بين وهم النصر وواقع الهزيمة والدمار لن يصمد طويلًا.

ربما سنة أو سنتين.
وأتمنى ألا أكون متفائلًا هذه المرة أيضًا.

زر الذهاب إلى الأعلى