‏برنامج “المتحري” وإعادة كتابة التاريخ اليمني حسب السردية الحوثية (1-2)

Author Icon حسين الوادعي

نوفمبر 1, 2025

أولًا: الجزيرة وسفراؤها اليمنيون في خدمة الرواية الحوثية

توظيف قناة الجزيرة لمواردها وطاقمها الإعلامي لخدمة الأجندة الحوثية ليس أمرًا جديدًا، فقد اعتدنا على خطابها الإعلامي اليومي الساعي، لتحويل جرائم الحوثيين وعمالتهم للمحور الإيراني، إلى بطولات مصطنعة.
لكن الجديد أن الجزيرة انتقلت من مرحلة الدعاية الإعلامية اليومية إلى مرحلة أخطر، وهي إعادة كتابة التاريخ اليمني بما يخدم السردية الحوثية، وبما يعزز مكانتها كأحد أهم الوكلاء الإقليميين لخدمة الأجندة الإيرانية بعد سقوط أداتها الكبرى، حزب الله.

برنامج المتحري الاخير ( اليمن واسرائيل..جذور الصراع) حلقة في نفس السلسلة وبأيادٍ يمنية،ساعة من البث مليئة بالأخطاء التاريخية، والتلفيقات القائمة على ضعف الإلمام بالتاريخ من جهة، وسوء النية والتخادم الطائفي من جهة أخرى.

يبدأ الفيلم بلقطات من الهجمات الحوثية على السفن التجارية والمدنية في البحر الأحمر، مع تعليق صوتي من وسائل إعلام عالمية. ثم تختفي اللقطات ليظهر صوت المذيع قائلاً: “صراع قديم متجدد في أحد أهم ممرات العالم”، قبل أن يظهر عنوان البرنامج: “اليمن وإسرائيل: جذور الصراع”.

عندما يقول المذيع “الصراع بين اليمن وإسرائيل” بدلًا من “الصراع بين الحوثيين وإسرائيل”، فإنه يقدّم الحدث على أنه مواجهة بين دولتين شرعيتين، مما يمنح الحوثيين شرعية ضمنية لتمثيل الدولة اليمنية. في المقابل، عند استخدام عبارة “الصراع بين الحوثيين وإسرائيل”، يُصوَّر الحدث على أنه صراع بين جماعة مسلحة غير رسمية ودولة أخرى، ما يغيّر تمامًا إدراك الجمهور لطبيعة الأطراف المشاركة في الصراع.

هذا مثال واضح على التأطير الإعلامي (Media Framing)، وكيف يمكن لوسائل الإعلام من خلال اختيار الكلمات والتوصيفات أن تؤثر في فهم الجمهور للأحداث، وتحدد ما يُنظر إليه على أنه شرعي أو مركزي في النزاع.

لكن البرنامج قدّم ما هو أخطر عبر سرديته التاريخية، منتقلاً من الدعاية اليومية التي اعتدنا عليها من قناة الجزيرة إلى إعادة كتابة التاريخ.

فعندما يحاول المذيع تصوير الصراع بين اليمن وإسرائيل على أنه قديم وممتد تاريخيًا، مستخدما التأطير السردي (Narrative Framing)، الذي يحوّل الحدث من مواجهة سياسية آنية إلى صراع ذي جذور تاريخية وأبعاد أيديولوجية. ومن خلال عبارات مثل “منذ عقود” أو “الصراع المستمر او التاريخي..”، يعيد المذيع إنتاج الحدث كامتداد لصراعات سابقة، مانحًا الحوثيين شرعية تاريخية زائفة ويعزز صورة الصراع كأنه جزء من سردية بطولية يمنية–عربية ضد إسرائيل تقودها الميليشيا.

الكل يعرف، بما فيهم المذيع البسيط وطيب القلب، أنه ليس هناك صراع عسكري تاريخي مباشر بين اليمن وإسرائيل. فموقف اليمن من إسرائيل كان متسقًا مع موقف الدول العربية الداعمة للحق الفلسطيني. والهجمات الارهابية الحوثية في البحر الاحمر أدانتها الحكومة الشرعيةويرفضها أغلب اليمنيين لأنها ضد اليمنيين وضد القانون الدولي ولأن هدفها ليس غزة وانما تقديم باب المندب هدية لإيران.
ومن يتجاهل هذا يروج للأجندة الإيرانية والحوثية، وامتداد لما تبثّه وتروّجه الآلة الإعلامية القطرية منذ عام 2017، بعد خروج قطر من التحالف العربي وانضمامها للمحور الإيراني–الحوثي.

زر الذهاب إلى الأعلى