رئيس تحت الاختبار وسيناريوهات فوضى.. كيف تُقارب دول الخليج الملف السوري؟
أخبار عربية
عادت سوريا إلى واجهة الاهتمام الخليجي.
فاستمرار الصراع الداخلي، وتفكك السلطة المركزية، وصعود أحمد الشرع إلى الحكم، كلها عوامل دفعت دولا مثل السعودية والإمارات إلى مراجعة تموضعها في الملف السوري، وسط تحذيرات من سيناريوهات تقسيم محتملة.
وصول الشرع إلى السلطة، بعد سنوات من الفوضى، محاولة لإعادة تقديم النظام بصيغة إصلاحية شكلية، يعتقد خبراء تحدثوا لـ”الحرة”.
رغم ذلك، لا تزال الانقسامات قائمة بين الفصائل، وتتسع معها المطالب الكردية بالحكم الذاتي، فيما تعجز الحكومة المركزية عن فرض سيطرتها كاملة على عموم البلاد.
وكشفت أحداث السويداء، قبل أيام، بالتزامن مع تدخل عسكري إسرائيلي، عن هشاشة الوضع، وكذلك استعداد بعض القوى الإقليمية لإعادة رسم المشهد الجغرافي في سوريا بالقوة.
في هذا السياق، تبرز تساؤلات حول حدود الدور الخليجي: هل تسعى دول الخليج لاحتواء الفوضى؟ وهل تملك استراتيجية واضحة للتعامل مع المرحلة الانتقالية في سوريا؟
يرى الكاتب الإماراتي، علي العامري، أن دول الخليج لم تنقطع في سوريا، بل تطور دورها ضمن مقاربة أمنية واستراتيجية لتعزيز الاستقرار والحيلولة دون تدخل الدول غير العربية في الشأن السوري.
“سوريا تعتبر امتداداً لدول الخليج، وما يؤثر فيها يؤثر على دول الخليج، ومن الأهمية بمكان أن تستقر الأوضاع في سوريا، وبالتالي يأتي الأمن على رأس هذه الأولويات”.
ويضيف العامري أن دول الخليج تسعى لدمج سوريا بالنظام العربي، ودمج اقتصادها بالاقتصاد الدولي “ومنح شعبها فرصة لبناء وطنهم من جديد”.
مع ذلك، ثمة تباين داخل الموقف الخليجي.
منذ العام 2011، ظل التعامل مع الملف السوري متذبذبا، بين دعم صريح للمعارضة، والسعي لاحتواء النظام، ومواجهة النفوذ الإيراني.
ومع صعود الشرع إلى الحكم، يزداد الغموض: هل هو بداية إصلاح حقيقي أم مجرد تغيير في الواجهة؟
يشير الكاتب العُماني، أحمد الشيزاوي، إلى أن الموقف الخليجي تجاه سوريا، خصوصا منذ اندلاع الثورة عام 2011، وصولا إلى تسلم أحمد الشرع مقاليد الحكم لا يمكن فصله عن السياق الدولي.
ويضيف أن “الموقف الخليجي ظل على امتداد سنوات موزعا بين التأييد العلني للمعارضة، والسعي لاحتواء النظام، والتوجس من التمدد الإيراني، وبين البرود الحذر والانفتاح المشروط على النظام الجديد”.
يلفت الشيزاوي إلى نقطة تحوّل أساسية، وهي أن “تسلم الشرع للسلطة شكّل لحظة انعطاف في التعامل الخليجي مع سوريا، إلا أن هذا التبدل لم يكن نتيجة إيمان حقيقي بالمشروع الإصلاحي للشرع، بقدر ما كان تجاوبا مع مناخ دولي جديد قادته تفاهمات أميركية – تركية، منحت الشرع شرعية واقعية فرضت نفسها”.
لكنه يحذر في الوقت ذاته من استمرار التباين داخل الصف الخليجي، وهو ما “ترك فراغًا استغلته إيران وتركيا وروسيا لتوسيع نفوذها” في السابق.
في المقابل، يرى الكاتب الإماراتي علي العامري أن الشرع يتمتع “بقاعدة تأييد شعبي من الأغلبية السورية”، وهو ما يمنحه شرعية لتنفيذ إصلاحات داخلية.
“الشرع رجل المرحلة الانتقالية، وأعتقد أن دول الخليج متفقة اليوم على مصلحة سوريا واستقرارها ودمجها في المنظومة العربية، ومنع التدخلات في شؤونها”.
ويضع المحلل العسكري السعودي، محمد القبيبان، المقاربة الخليجية في إطار أوسع:
“قادة دول مجلس التعاون ينظرون إلى استتباب الأمن واستقرار المنطقة بصورة عامة، ويتعاملون مع الحكومات وليس الأشخاص. وبما أن السيد أحمد الشرع يعمل على إرساء الأمن والاستقرار في سوريا، فهذا ما جعل دول مجلس التعاون تتسابق في تقديم الدعم السياسي والاقتصادي له”.
ويضيف أن “قادة دول مجلس التعاون ينظرون إلى سوريا كدولة موحدة لها سيادتها، ويتعاملون مع شعبها ككل واحد. الهدف هو دعم اندماج سوريا في المجتمع الدولي، بما يضمن الاستقرار ويمنع مشاريع الهيمنة الإقليمية”.
لكن التحدي الأكبر يبقى في خطر التقسيم.
رغم أن فكرة الانفصال لا تزال مرفوضة عربيا، فإن التسويات السياسية وتعدد مراكز السيطرة، إلى جانب الانتهاكات بحق الأقليات، يبقي هذا السيناريو مطروحا بقوة.
الدكتور عايد المناع، الأكاديمي الكويتي، يرفض أي مشروع انفصالي، ويرى أن “كل دول الخليج ضد أي تحرك انفصالي. وما تقوم به إسرائيل هو عدوان صارخ وانتهاك صريح لميثاق الأمم المتحدة. المكون الدرزي جزء أصيل من المجتمع السوري، وليس لإسرائيل أي تفويض لحمايته”.
يعبر الشيزاوي أيضا عن القلق من فكرة التقسيم.
“يُجمع الخليجيون على رفض أي نزعة انفصالية، لكن المواقف تتفاوت في حدتها. الخطر هو أن تتحول أي تجربة انفصالية إلى سابقة تُغري أطرافاً أخرى، وتفتح المجال أمام تدخلات إقليمية أوسع،” يقول.
أما العامري، فيرى أن ما يقوم به الشرع “جيد حتى الآن”.
وفي رأيه، أن الشرع “أغلق ملف الأكراد والعلويين، ويسير نحو إغلاق ملف الدروز. ولو توقفت إسرائيل عن أطماعها، لسهلت مهمة الرئيس الشرع”.
الملف السوري لا يزال مفتوحا.
وتبقى دول الخليج أمام معادلة معقدة: دعم الاستقرار دون الوقوع في فخ التبني الكامل لنظام لم يُختبر بعد، وفي الوقت ذاته منع مزيد من الفوضى أو التقسيم.