صُنع في اليمن Made in Yemen !!

Author Icon محمد علي محسن

فبراير 15, 2025

زرت مصنع " الهلال " للأدوية في منطقة جلاس بالضالع ، وهناك التقيت بالدكتور فضل الحريري ورفيقه في المشروع الاستثماري الدكتور عبد الرحمن عباس باعباد .

قبل مشاهدتي للمنشأة الطبية الأهلية كنت اعد الحديث عن مصنع أدوية سابقًا لأوانة في عاصمة البلاد عدن فكيف في محافظة الضالع ، وبمثل هذه الوضعية المثقلة بأزمات أقتصادية وإنسانية ، أقل وصف لها افتقارها للخدمات الضرورية الأساسية مثل الكهرباء والماء ..

وما أن دلفت البوابة الرئيسية للمصنع ، حتى بدأت التساؤلات والهواجس السلبية بالانزياح رويدًا رويدًا ، ومثلما يقال بإن واجهة اي بلد يراها الزائر في الموانئ وفي نظام السير وتعامل رجل الأمن ؛ فلقد لمست النظام من اول خطوة وأول عتبة ، إذ خلعت حذائي طوعًا ودونما توجيه أو طلب او مكتوب .

فعلت ذلك تأسيًا وأقتداء بمن وضعوا أحذيتهم في حافظاتها المخصصة لها قبل مضيهم إلى داخل المصنع ، وأثناء مشيي فوق بساط البوكسي الرطب أحسست بمهابة المكان ، وبقيمة النظام وبالتقيد الصارم في تطبيقه .

لا أخفيكم كم كانت فرحتي ودهشتي أيضًا ؟ المبنى بسيط ومتواضع بشكله الخارجي ، فسيح ومرتب وأنيق من الداخل ، أقسامه موزعة وبشكل دقيق وبديع ، فكل ما رأيته ولمسته فيه مهابة وجلال وإبداع ، فلا يقل قيمة وجاهزية عن أي منشأة صناعية في مصر أو الهند أو أوروبا أو الصين .

بقيت محدقًا متفرسًا في تلك التجهيزات التقنية الموجودة في ثنايا الاقسام المنتشرة بداخل البنيان ، طفت وتأملت بعضها من وراء ابواب وسواتر زجاجية في غاية الدقة والجمال ، فمن قسم البحث والتطوير ! إلى الإنتاج ؛ إلى التخزين ؛ إلى التسويق ..

كل هذه المشاهدة قبل لقائي بالمدير العام الدكتور فضل الذي وجدته في مكتبه منهمكًا بمهاتفات لا تتوقف مع خبراء وشركاء في صناعة الدواء ، أدركت ذلك من لغته الإنكليزية ، ومن طبيعة القضايا محل التساؤلات والنقاش .

المهم خيل لي أنني في بلاد خارج اليمن ، نظام دقيق ، أجواء هادئة لا تسمع فيها غير صوت محدثك ، وحين سنح لي الكلام مع المدير الوقور ، أشدت بالإنجاز المهم والجريء ، فأن تضخ مالًا تحقيقًا لفكرة استثمارية ووطنية وإنسانية ؛ فذاك يستحق الثناء والإطناب .

تحدث مبتسمًا عمَّا تحقق وفي ظرفية صعبة وقاسية ما فتأت تنهش وتفتك بمقدرات البلد ، قال لي في كلام ودي عفوي أنهم على مسافة أشهر من افتتاح المصنع رسميًا .

ليس من النوع الذي يلهث عن شهرة ومجد ، فالرجل صاحب ريادة وتاريخ في مضمار الصناعة الدوائية وتجارتها ، ولهذا كان حديثه مقتضبًا وتعريفيًا ولا يراد له النشر أو الدعاية المدفوعة مسبقًا .
كما وذهابي إلى المصنع ولقائه لم يكن مخططًا أو غرضه الكتابة والنشر ، وإنَّما كان عفويًا وبدافع الفضول ، وبقصد المعرفة ولا سواها .

أمَّا أجمل ما في حديث الدكتور فضل فهو أن المصنع زود بأحدث التقنيات التكنولوجية ، وبالمواد الخام ، وبالخبراء الفنيين وبالكفاءات العلمية المتمرسة في صناعة الدواء.

الزائر لا يلمس ضجيجًا من أي نوع ، سكينة عجيبة لا توحي بوجود ثمة أشخاص في ثنايا هذه القلعة الحديثة .
ومع هذا وذاك هناك عمل دؤوب يسابق الزمن ، وهناك تحضيرات لا تتوقف لحظة ، وهناك تجارب اختبارية مصنعية تجريبية لمختلف أصناف الدواء ، وبمواصفات وجودة غير عادية ، ترتقي لمصاف النوعية الجيدة والممتازة .
رأيت أصنافًا وعينات أولية صارت جاهزة للإنتاج ، لم يبق لها غير تحريك آلة الإنتاج لكميات تجارية ، إنني متلهف جدا لرؤية أول منتج دوائي ، يراودني الان شعورًا بالفخر والإعتزاز بكوننا قادرين على فعل شيء ، فليس هنالك ما هو أسوا من اللاشيء .

قريبا ستكون في السوق المحلية أدوية مختلفة الأصناف لعلاج ألمرضى ، وبكلفة أقل مما هو مستورد ، فضلًا أنها بجودة بفعالية أكثر نظرًا لجملة اسباب ، بينها أن المنتج وطنيًا ، وخطوط الأنتاج اقرب للسوق ، وتحت إشراف ورقابة وبصر الهيئات الوطنية المختصة .
هذه الأدوية منتجة في اليمن ، ووفق المواصفات الدوائية ذات الجودة العالية ، وهذا خبر يبعث على الأمل والتفاؤل بكوننا قادرين على فعل أشياء عظيمة ، فهذه البلاد تتوافر فيها الفرص والمال والعقول ، ما تؤهلها للتنمية والنهضة .

ما ينقصنا هو وقف الحرب وإحلال السلام ، فلا يمكن الحديث عن تنمية وصناعة دون إيجاد مناخًا مستقرًا ومحفزًا لجذب أصحاب الرساميل كي يستثمروا أموالهم في قطاعات واعدة صناعية واقتصادية وتجارية وخدمية .
شكرا للمستثمرين الرائعين دكتور فضل الحريري والدكتور عبد الرحمن باعباد ، فرحتي لا توصف ، فهل هنالك ما هو أجمل من يكون اسم بلدك مكتوبًا على أي سلعة غذائية أو دوائية أو تقنية ؟.
أفخر بكل منتج صُنع في اليمن ، أسعد كثيرًا بكل منجز وطني ..

 

زر الذهاب إلى الأعلى