الهامور.. و"فلاشة" الجمهورية: نبيل جامل وتعز التي أكلها التخطيط تقرير موسع

Author Icon فتحي أبو النصر

يونيو 13, 2025

طبعا في عالم الكائنات البحرية، يُعد الهامور سمكة ضخمة تبتلع كل ما يصغرها حجما، وغالبا ما تتوارى في الأعماق.

أما في تعز، فقد خرج الهامور من البحر، ارتدى بزة رسمية، واحتل مكتبا حساسا اسمه "مكتب التخطيط والتعاون الدولي"، ليبتلع تمويلات مدينة بأكملها، بينما يتضور سكانها جوعا وعطشا ويغرقون في الظلام.

نبيل جامل، القيادي الذي يُقال إنه يدير التخطيط، لكنه في الحقيقة يدير تعز كما يُدير التاجر سوقه:
بميزان مصالحه، وبسطوة "الفلاشة" العجيبة التي يُسلمها بابتسامة مريبة لكل وفد دولي يمر من عدن أو يضيع في شوارع تعز المحطمة.

نعم.. كما يعلق مراقبين لفساد مكتب التخطيط والتعاون الدولي في تعز فلاشة واحدة توزع احتياجات وهمية، غالبا ما يكون عنوانها: "كل شيء لنا، لا شيء لكم.. وسبحان من خلق الدعممة".!
والشاهد أن تعز مدينة الجراح المفتوحة، لم تعد بحاجة إلى مساعدات بقدر ما تحتاج إلى إسعاف من مخالب التخطيط العبثي الذي تفوح منه روائح فساد تزكم الأنوف.

أكثر من مليار دولار دخلت المدينة من نوافذ المنظمات، معظمها بُعثرت على مشاريع عبثية لا تسقي شجرة، ولا تضيء شمعة.
تخطيط بلا تخطيط، تنفيذ بلا تنفيذ، ومساءلة؟ يا للسخرية، من سيحاسب الهامور، وهو من يُوصف بـ"محافظ المحافظ"؟

ثم أليس غريبا أن تُصرف 70% من ميزانيات المشاريع على تشغيل ومصاريف وتسهيلات؟
ولكن كم مروحة أشغلت؟ كم فنجان قهوة شُرب؟ كم سيارة وقودها لا ينفد؟ وكم "رحلة عمل" أقيمت باسم المواطن بينما المواطن يمشي على الأقدام ليلا بحثا عن ماء لا يجده ونور لا يُولد؟

بمعنى أدق حين يُصبح المكتب التخطيطي أشبه بمحطة عبور للتمويلات، بلا رقابة ولا تقييم، فهو لا يخطط لنهضة، بل يدير طاولة قمار. !
تختار منظمة ما أن تمول مشروعا، يُقدم نبيل الفلاشة، يتم تمرير المشروع بتكليف مباشر – دون مناقصة أو شفافية – فتذهب الأموال حيثما شُيدت الولاءات، لا حيث يُزرع الأمل.

أكثر من 390 مليون دولار بين 2017 و2020 وحدها، ذهبت إلى مشاريع يُقال إنها إنسانية وتنموية، لكنها في الواقع لا إنسانية فيها ولا تنمية، بل هي مزيج من مشاريع وهمية، وأخرى غير أولوية، وأغلبها تُنجز على الورق، بينما الواقع كما هو: عطش، ظلام، وشارع لا تعرف إن كان طريقا أم مجرد بقايا حرب.

ولكن ما الذي يحدث عندما تتحول "إدارة تخطيط" إلى عصا بيد جماعة؟
يتم استحداث كيانات خارج القانون، تُقصى الإدارات الفنية، ويُدار المكتب بنهج مركزي متسلط، حتى بات الموظف النزيه بلا صوت، بلا امتيازات، وبلا حول ولا قوة. أما المعارضون؟ فليتفضلوا للخروج، لأن الهامور لا يهوى الضوضاء.!

تخيلوا أن 15 مليون دولار صُرفت على مشاريع مياه، بينما المؤسسة العامة للمياه لا تعلم عنها شيئا! من يشرب؟ من استفاد؟ الإجابة الوحيدة الممكنة: المشاريع صُرفت، ولكنها لم تنفذ، أو نُفذت في أماكن غير مرئية، لأناس غير موجودين، من ميزانيات حقيقية.
أي إنها نظرية الأشباح، لكن بتوقيع المكتب الرسمي.

حتى مركز الملك سلمان قدم 15 شاحنة مياه، وبدل أن تُخدم المواطنين، تحولت إلى عربات تعبئة خاصة تتبع فصيلا سياسيا مسلحا، وكأننا أمام إعادة إنتاج لنظام غنائم لا دولة.

والسؤال الجارح هنا: أين المحافظ؟ أين الرقابة؟ أين جهاز المحاسبة المركزي؟ كيف تمر كل هذه المليارات دون تحقيق واحد؟
الجواب بسيط: عندما يكون نبيل جامل في التخطيط، يصبح الحساب مجرد اقتراح غير ملزم، والرقابة "إزعاج إداري".!

والحق يقال نحن أمام مكتب تخطيط أصبح أكبر مكاتب التحايل، وأمام مدير يتعامل مع التمويلات كما يتعامل المهرب مع البضائع. كل شيء له سعر: توقيع، موافقة، تسهيل، وكل شيء له ممر: فلاشة تدخل، تمويل يخرج، ولا أثر في الأرض.!

والشاهد أن المشهد مأساوي وساخر في آن واحد. مكتب يُفترض أنه يضع خطط التنمية، أصبح عائقا للتنمية. مدير يُفترض أنه خادم للناس، أصبح سيدا على الناس، يقرر من يستحق الدعم ومن لا يستحق، من ينفذ المشروع ومن يتعثر، وكل شيء باسم "خدمة تعز"، التي لم تعد تملك ماء.ولا كهرباء ولا شارعا يليق بها.

فإلى نبيل جامل نقول: نحن لا نطلب محاسبتك، بل نطلب فقط أن تغادر المشهد، فقد أكلت ما يكفي، وتخطيطك أصبح كمن يحاول إنقاذ غريق بحبل من نار.
أما أنت يا تعز، فاصبري، فالنهب مستمر، والفلاشة ما زالت تسافر، ولكننا نعدك بأن الصوت سيكبر، وأن كل فلاشة ستتحول في يوم ما إلى دليل إدانة.

ذلك أنه في تعز، لا تنقصنا المساعدات، بل تنقصنا المياه والكهرباء والضمائر. فمنذ سنوات، ومكتب التخطيط والتعاون الدولي بتعز، بإدارة "الهامور" نبيل جامل، يشرف على مشاريع تتجاوز قيمتها مليار دولار، معظمها بلا طعم، بلا رائحة، وبالتأكيد بلا فائدة.
مشاريع عبثية تُمرر، بينما المدينة تتعفن عطشا، وتغرق في الانطفاء.
الرقم وحده صادم: 60% نفقات تشغيلية، 10% تسهيلات، 0% أثر ملموس. كل ذلك بموافقة المكتب "المختص"، الذي تحول من صانع تنمية إلى مقاول سمسرة.

ثم إن الوثائق المسربة من داخل المكتب تصرخ بالفساد: مشاريع بالتكليف المباشر، لا مناقصات، لا رقابة، لا تقييم.

ولكنه نبيل جامل، الذي يُدير التخطيط كما يدير زعيم مافيا شبكة تمويلات. اختزل التنمية في قرارات فردية، أقصى الكفاءات، وابتدع كيانات إدارية خارج القانون. ومع كل هذا، لم تُشكل لجنة تحقيق واحدة.

حتى قطاع الصحة لم يسلم: تمويلات بمليارات، لم تمر عبر مكتب الصحة، بل سُيّرت عبر "مطبخ الهامور"

ولكن من يوقف نبيل جامل؟ من يفتح ملف "المليار الضائع"؟ من يعيد "التخطيط" إلى اسمه الحقيقي؟
أن تعز تنزف لا بسبب الحرب فقط، بل لأن التخطيط صار شكلا آخر من أشكال الاحتلال.

ونقولها بمرارة: تعز لا تحتاج لمشاريع جديدة، بل لتخليصها من "مشروع الهامور".

وفي الختام، لن نقول سوى: تعز تستحق حياة، لا مجرد "مستندات مشاريع" في جيب مدير، ولا "احتياجات" تُوزع على طاولة الجماعة، ولا وعود بتمويل لا يُرى منه سوى الشعار.

أما الهامور، فموعده البحر.

لكن بالفعل أين ذهبت مليارات تعز؟
الأمر جاد جدا وليس مزحا..

ركزوا ..
بين عامي 2017 و2020، كما قلنا أعلاه تدفقت إلى تعز أموال طائلة من المنظمات الدولية والمحلية، تجاوزت قيمتها مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى ملايين الدولارات الكندية واليورو والجنيه الاسترليني والكرون النرويجي، فضلا عن 730 مليون ريال يمني، أي ما يعادل تقريبا مليون و600 ألف دولار أمريكي.
ومع ذلك، لا يزال المواطن في تعز يعاني من نقص حاد في المياه والكهرباء والخدمات الأساسية.

فأين ذهبت هذه الأموال؟ هل اختفت في دهاليز اللامعقول؟ هل تم تحويلها إلى جيوب المتنفذين؟ أم أن هناك "هامورا" يتحكم في توزيعها وفقا لمصالحه الشخصية؟

الوثائق والتقارير تشير إلى أن مكتب التخطيط والتعاون الدولي في تعز، تحت إدارة "الهامور" نبيل جامل، قد تحول إلى مافيا تتحكم في مشاريع المنظمات الدولية والمحلية، مستغلة سلطتها في فرض موظفين غير مؤهلين، وتوزيع المشاريع وفقا للولاءات الحزبية والعائلية.

فيما المشاريع التي أُعلن عنها، مثل إعادة تأهيل الطرق، وبناء المستشفيات، وتوسعة شبكات المياه والكهرباء، لم تُنفذ بالشكل المطلوب، بل تحولت إلى مشاريع وهمية تستهلك الأموال دون أن تلامس احتياجات المواطن.

أي باختصار شديد
تعز تستحق أكثر من ذلك. تستحق شفافية في إدارة الموارد، وتخطيطا حقيقيا نزيها يلبي احتياجاتها، ومحاسبة حقيقية للمسؤولين عن الفساد.

واكرر
أين ذهبت مليارات تعز؟
لكن
ربما "الهامور" وحده يعرف ذلك!
...
صورة أنا والهامور الذي في كرشه تتلاشى التمويلات.. حد اكتشافي المتاخر... طبعا ستقولون أنني الهامور.. جراء البدله..لكن لا يغركم الهامور السري إياه!

زر الذهاب إلى الأعلى