أميركا التي يبحث الرب عنها.
منذ ربع قرن تطالبنا الولايات المتحدة بتغيير المناهج الدراسية، والتخفيف من الجرعة السلفية في كتب أطفالنا، قبل أسبوعين طالب سفير أميركا في باريس الرئيس الفرنسي بإعادة النظر في المناهج الدراسية.
أميركا، التي يبحث الرب عنها، وإسرائيل التي اختارها الله على جبل، تقدمان صورة مخجلة للبشرية، عن فساد التعليم، فساد التنشئة، وفساد المقدّس.
قال روبيو قبل أيام إن العالم كان سيصبح مكاناً أكثر روعة وسلاماً فيما لو كان هناك عدد كبير من الدول على شاكلة إسرائيل.
أميركا منحطة، لا جدال. وانحطاطها سيقود العالم إلى الهاوية.
سبق لها أن أدخلت العالم في حرب عالمية ثانية مدمرة أهلكت ما يزيد عن ٥٥ مليون بشر. بدأت الحرب، في واقع الأمر، مع انهيار النظام المالي الأميركي، ١٩٢٨. زلزل الحدث العالم ودفع بالمتطرفين في ألمانيا إلى السلطة كنتيجة لانهيار السوق الألمانية المعتمدة كلياً على الكريديت الأميركية!
وفي اليابان انطلق الإمبراطور الشاب إلى استيعاب الكارثة من خلال التجنيد، ثم القفز على الدول الجارة حتى تجاوز الصين بحثاً عن المصادر والمال.
كانت ضربة وول ستريت مدمرة لليابان حتى اضطر الفلاحون إلى بيع بناتهم. لم يجد الإمبراطور، الذي لم يكن قد مضى عليه سوى عامين في السلطة خلفاً لوالده، من طريق لإنقاذ مملكته سوى بالغزو. فتوحات اليابان التي اجتاحت آسيا أتت على حساب المستعمرات والمصالح الغربية، وحتى قبل أن تخوض أوروبا الحرب ضد نفسها كانت اليابان قد بدأت الحرب واجتاحت بكين وشنغهاي بين عامي ١٩٣١-١٩٣٢ وأنهت المصالح الغربية في تلك المنطقة من العالم.
انحطاط سوق المال الأميركية، الفساد والاحتيال والجشع والخداع، كان المشغل الأساسي للحرب. وما إن اشتعلت في أوروبا حتى قسمت أميركا المنهارة شعبها إلى قسمين: قسم يذهب إلى أوروبا للحرب، وقسم يذهب إلى مصانع السلاح ويعمل. أشعلت أميركا الحرب ثم جعلتها مستدامة.
مع انتهاء الحرب خرجت أميركا منتصرة وحلت محل بريطانيا في قيادة العالم. على الأقل فإن بريطانيا كانت تحمل في حقائب الجنود نسخاً مكتوبة من شكسبير واللورد بايرون. أما الولايات المتحدة فتقرأ التوراة ونادراً ما تنظر في الإنجيل (توجد دراسات ترصد هذا التحول الخطر في ماهية المسيحية الأميركية). كما تبشر بخراب العالم انطلاقاً من رؤى توراتية فوق أسطورية. حتى إن ريغان قال لمستشاريه إنه يفكر بضغط الزر الأحمر (النووي) حتى يجبر الرب على إرسال مسيحه لإطفاء الحريق، فقد طال الانتظار.
الإنجيل، كتاب التسامح الشهير، لا يناسب كيانا متوحشاً كأميركا، هذا الكيان يجد ضالته في أسفار الموت والدمار وقصص فناء أريحا، وأمرتكم بذبح أطفال العماليق، وكل تلك البركة من الوحشية السماوية! يناسب أميركا تماماً، وليس مستغرباً أن التوراة كانت القانون المدني والأخلاقي لعدد كبير من الولايات الأميركية لما يزيد عن قرنين من الزمن قبل كتابة الدستور، وحتى بعد الدستور كما يرصد منير العكش في اشتغاله على الموضوع.
لم يمر على البشرية كيان بالغ بالخطوة كأميركا، وهناك كارثة قادمة ستحل على البشرية بلا ريب، نتساءل فقط عن طبيعتها.
وهكذا اختار الرب إسرائيل لتمجده. ومنذ ذلك الحين - قبل ٤ آلاف سنة - وهو يبحث عن أميركا كما يعتقد سفيرها في تل أبيب.
م. غ.