قنفزة على الفاضي ...
السلطة الشرعية في اليمن حين ترحب أو تدعو أو تندد وتشجب ، فهي هنا تمثل اليمن الدولة المنقلب على سلطاتها من جماعة مذهبية سلالية مسلحة .
فعندما رحبت هذه السلطة باعتراف عدد من الدول المؤثرة بدولة فلسطين، كانت تتحرك ضمن الأعراف الدبلوماسية الراسخة. وزير الخارجية اليمني في نيويورك عبر عن موقف الدولة، مُجسِّدًا الإجماع العربي والدولي الداعم لحل الدولتين.
فلماذا هذه "القنفزة" إذن؟! لماذا هذه التصرفات من مكونات محسوبة على الشرعية ذاتها؟!
بالله عليكم،أخبروني: ما القيمة الدبلوماسية أو السياسية لترحيب "المكتب السياسي للمقاومة" في "المخا" – وهو كيان غير معترف به دوليًا – بقرار اتخذه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؟!
وليست الظاهرة محصورة ب " طارق جماعته " في المخا ، بل وعيدروس وخبرته في عدن سبق وأن بعثوا ببرقيات تهاني وتعاز لملوك ورؤساء .
كما أن أعضاء آخرين في مجلس القيادة الرئاسية أرادوا إثبات وجودهم ، فبعثوا وهنأوا وطالبوا ودعو تأسيًا بزملائهم وبمحاكاة فارغة لهم .
هذه الأفعال، في جوهرها، خرقٌ صارخ للأعراف والتقاليد الدبلوماسية، التي لا تجري إلا بين دولٍ ذات سيادة، أو حكومات معترف بها، أو برلمانات، أو – في أدنى حالاتها – بين أحزاب متشابكة فكريًا وتنظيميًا . وهي جميعًا علاقاتٌ تُدار بمعزل عن صفة "الدولة" التي يحتكر تمثيلها رئيس الدولة أو من يفوضه.
السؤال : من تظنون أنفسكم؟ حين تتصرفون وكأنكم رؤساء دول موازية،وترسلون برقياتكم إلى ملوك الأرض وأمرائها ورؤسائها، وإلى الأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجميع المنظمات الدولية...
تذكروا أن هذه الهيئات لا تراكم إلا كأعضاء في مجلس القيادة الرئاسي. شئتم أم أبيتم، أعجبكم الأمر أم لم يعجبكم، فأنتم – فرديًا – لستم سوى أجزاء من كلٍّ اسمه "السلطة الشرعية لليمن".
في المحصلة النهائية: لا يحق لكم – جماعيًا أو فرديًا – أن تتعاطوا مع القضايا الدولية "ندًا لند" أو "رأسًا برأس".
وأي سلوك من هذا القبيل لا ينمُّ إلا عن فوضى عارمة، ويوحي للعالم أن ممثلي الشرعية ثلة من الجهلة والأغبياء، لا يفقهون شيئًا من الأعراف والتقاليد التي يفهمها أدنى دبلوماسي في الخارجية .
لقد رحب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، بالقرارات الفرنسية والبريطانية والدولية ، باعتباره الرئيس الممثل لليمن.
وبصفتكم أعضاء في هذا المجلس، كان الواجب يقتصر التعبير عن موقف اليمن من خلال رئيس المجلس، أو من يفوضه للتوقيع نيابة عنه، وفي جميع الظروف والأحوال.
ما يحدث ليس سوى عبثًا وشطحاتٍ خارج سياق التقاليد والمواثيق الدبلوماسية التي تنظم العلاقات بين الدول. لقد أضحكتم العالم عليكم وعلينا ، وجعلتم اليمن سخرية في وسائل الإعلام العربية والأجنبية.
إن البرقيات والمواقف السياسية لليمن، شأنًا دوليًا ، يُعبر عنها وزير الخارجية، أو رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس القيادة الرئاسية، أو من ينوب عنهم رسميًا .
أما غير ذلك... فلا يعدو كونه "قنفزة" سياسية، ومزايدة رخيصة، وضحكًا على الذقون.
فهذه الأفعال لا تليق بكم،ولا تليق ببلدكم الذي تتسابقون لإلقاء الخطب العصماء وفي وقتٍ كان الأولى بكم أن توجّهوا كل طاقاتكم لتخفيف معاناة شعبكم، والعمل الجاد على معالجة أزماته المعيشية والإنسانية المتفاقمة – للأسف – تحت قيادتكم.
إنها ليست مجرد "قنفزة على الفاضي"، بل هي كارثة التمثيل التي تجعل من الدولة أضحوكة، ومن المأساة مهزلة .
محمد علي محسن