السياسي النبيل .. وداعًا !
ورحل نجم يماني آخر، دون وداع أو صخب، أو حتى زفرة وجع وأنين. الكِبار يرحلون بصمت وبلا ضجيج.
رحل الإنسان الذي رأيت في وجهه ملامح اليمن الجميلة المغايرة لليمن البائسة، ورأيت في ابتسامته مشاعر فائضة بالحب والسمو والأخلاق .
التقيت به اخر مرة ، قبل الحرب في أمسية رمضانية نظمتها جمعية الفارد الاجتماعية في دمَّت.
في ذلك المساء، كان الحماس الثوري حاضرًا في أحاديث الشباب، أو الرفاق، أو المناصرين لثورة التغيير ولمخاضاتها المتمثلة بمقررات مؤتمر الحوار الوطني.
وفي المقابل، كان هناك صوتٌ مناهضٌ –وإن كان خافتًا– يَخشى عواقب ما يراه انقلابًا على سلطة منتخبة ديمقراطيًا.
في تلك الأمسية، حينما اشتعلت حمم الأحاديث بين ثائرٍ وخائف، وقف الرجل كشجرةٍ وارفةٍ في صحراء التعصب، تُظلّ الجميع بفكرها الواسع وقلبها الكبير.
وقف دكتور العلوم السياسية مبتسمًا ومنصتًا، لم يفقد رباطة جأشه، ظل ممسكًا بزمام النقاش، متجردًا من أي انتماء حزبي، متسامحًا ومنفتحًا على كل وجهات النظر، سواءً كانت ثائرة أم مضادة.
طالما قيل لي أو سُمعت بانتمائه إلى "الإصلاح"، وعلى هذا الأساس وضعته في ذلك الإطار الحزبي الضيق. لكن مثل محمد يصعب حصره بتنظيم أو حزب أو كيان؛ لأنه من النوعية المتفتحة المستنيرة المتسامحة مع كل فكرة غايتها وطنية وعادلة.
لم يكن انتماؤه الحزبي ، سوى غلافٍ خارجيٍ لإنسانٍ لا يُحتوى، وفكرٍ لا يُسجن بين أسطرٍ وجدران. كان انتماؤه الحقيقي لليمن، لكلِّ انسان يتوق إلى السلام، وكلِّ يمنيٍ يستحق حياةً كريمة.
المناطق الوسطى زاخرة بطليعة مميزة للغاية، وقرية الفقيد "الظاهرة" –مثل الفارد ، والحقب ، وبيت اليزيدي ، والعود ومريس عمومًا– عاشت حقبة تاريخية في كنف جدل الأفكار المتضادة ، بسبب موقعها الوسط بين الجنوب والشمال ، بين يسار تقدمي هادر ، وبين يمين رجعي جزع أو هكذا ..
ونتيجةً لما تركته تلك الصراعات العنيفة من أثر على أجيال متعاقبة، كان لا بد أن يَنبثق جيل من رحم ذلك الماضي المؤلم.
وأعتقد جازمًا أن الفقيد محمد كان واحدًا من وجوه عدة ناضجة استفادت من تجربة ماضيها؛ أسماء تشكلت قناعاتها الوطنية المتسامحة من خيبة أمل في هيمنة لغة القوة والعنف، ومن محاولات تَكريس منطق الرأي الواحد دون غيره من الأفكار المختلفة.
رحم الله السياسي النبيل ، الدكتور محمد الظاهري ، لروحه السلام والاطمئنان ، وليسكنه الله الفردوس الأعلى مع الصديقين والصالحين.
خالص العزاء والمواساة إلى جميع أبنائه وأقاربه وأهله ومحبيه في ربوع اليمن. إنا لله وإنا إليه راجعون.