بين شرعية الجمهورية ومشاريع الهاشمية السياسية

Author Icon الدكتور / فياض النعمان

أكتوبر 25, 2025

(لو لم تتبق من الشرعية سوى سارية العلم لوقفت معها او لجوارها) من المقولات التي نسبت إلى الدكتور عبدالكريم الإرياني أحد أبرز العقول السياسية في تاريخ اليمن الحديث واختصرت موقفه من الدولة والجمهورية والشرعية ولم تكن عبارته انفعال سياسي أو دفاع عابر عن سلطة قائمة وانما كانت تعبير عن إيمانه العميق بفكرة الدولة باعتبارها الإطار الوحيد الذي يحفظ لليمن وجوده وهويته في مواجهة مشاريع الهدم والفوضى والطائفية التي تسعى لتفكيك الوطن وإعادته إلى عصور الإمامة المظلمة.

أدرك الدكتور الإرياني بحكم خبرته وقراءته الاستراتيجية أن معركة اليمن ليست بين أطراف سياسية متنافسة ولكن في الواقع هي معركة مصيرية بين مشروعين متناقضين مشروع الجمهورية والدولة ومشروع المليشيات الحوثية المتمثل بالهاشمية السياسية التي تسعى لإحياء فكرة الحق الإلهي في الحكم مستنده إلى دعم خارجي من إيران وأذرعها الإقليمية ومن هنا جاء تمسك الارياني بالشرعية كرمز وطني جامع لا بوصفها سلطة مؤقتة وانما كهوية سياسية تحفظ اليمن من السقوط في مستنقع التبعية والطائفية.

وبعد سنوات من الحرب والدمار التي تسبب فيه مشروع المليشيات الحوثية السلالية تتجلى أهمية مقولة الدكتور الارياني أكثر من أي وقت مضى فالمليشيات الحوثية تسعى لإقناع الداخل والخارج بضرورة المساواة بين مشروعها العنصري السلالي الامامي عبر أدواتها المختلفة وبين مشروع الشرعية الجمهوري ممثل كل اليمنيين كمحاولة لتمرير خطاب مضلل يروج لفكرة أن كليهما يمثلان طرفين في صراع سياسي لا مشروعين متناقضين في الجوهر والقيم والغاية وتلك المحاولة هي جوهر المشروع الامامي الرجعي الدخيل بصورتة الجديدة والذي يسعى إلى إعادة إنتاج نفسه في ثوب سياسي حديث مستخدم لغة السلام والحقوق بينما يكرس في الواقع حكم السلالة وهيمنة المركز الكهنوتي.

إن أخطر ما تواجهه اليمن اليوم ليس السلاح الحوثي فقط ولكن الخطاب الذي يحاول تمييع الفارق بين الجمهورية والانقلاب بين الدولة والمليشيات فقبول هذا الخطاب يعني عمليا دفن تضحيات الأجيال التي ناضلت من أجل دولة المواطنة والمساواة وإعادة الاعتراف بمبدأ الاصطفاء السلالي الذي ثار عليه اليمنيون منذ أكثر من نصف قرن.

وتبقى مقولة الدكتور الإرياني دعوة مفتوحة لكل يمني جمهوري حر بأن التمسك بالشرعية الدستورية ليس خيار سياسيا وانما واجب وطني لأن الدفاع عن قيم ومبادي الجمهورية هو دفاع عن بقاء اليمن ذاته أما أولئك الذين يسعون لإعادة تدوير الهاشمية السياسية تحت شعارات جديدة فإن التاريخ لن يمنحهم إلا موقع الخيانة كما فعل مع كل من حاول بيع اليمن للمشاريع الدخيلة عبر العصور.

رحل الدكتور الإرياني لكن كلماته بقيت بوصلة تحدد طريق اليمنيين بين مشروع حياة جمهوري ومشروع موت حوثي وبينهما لا مكان للحياد.

زر الذهاب إلى الأعلى