ذاكرة البناء في وجه ماكينة الهدم

Author Icon فتحي أبو النصر

أكتوبر 26, 2025

يطل اسم اللواء حمود خالد ناجي الصوفي بوصفه واحدا من الرجال الذين عبروا المشهد السياسي والإنمائي بروح المسؤول الحقيقي، لا بشهوة السلطة ولا بلغة الشعارات.
ولقد ارتبط اسمه بمرحلة من العمل الجاد، إذ كانت تعز تستعيد وجهها الحضاري بعد سنوات من الإهمال، لتتحول إلى مدينة تنبض بالحياة، قبل أن تعصف بها رياح الفوضى والانقسام.
وحين كان محافظا لتعز، كان مشروعا وطنيا متكاملا.
أطلق مشاريع خدمية وتنموية أساسية: من إصلاح شوارع استعصت على اثنين محافظين من قبله، إلى تدشين مشاريع البنية التحتية الكبرى التي غيرت وجه المدينة.
و في عهده وُضع حجر الأساس لمطار تعز الدولي، وبدأ مشروع تحلية المياه، وتم تعميق ميناء المخا، كما أنشأ المدينة الرياضية ونقل مشروع المدينة الطبية من ذمار إلى تعز.
و..
أما المدينة السكنية التي مولتها دولة الكويت، فكانت تتويجا لرؤية عمرانية متكاملة جعلت من تعز حالة للإدارة المسؤولة.
لكن بعد عام 2011، انقلب المشهد رأسا على عقب.
إذ تمدد تنظيم الإخوان المسلمين في مفاصل السلطة المحلية، وبدأت مرحلة الخراب المنهجي للمدينة باسم الثورة والتغيير. وفي تلك السنوات الحالكة، تحولت تعز إلى مسرح للفوضى والاغتيالات والفساد، وسقطت الوظيفة العامة ومعايير الكفاءة، وتوزعت الرتب العسكرية على المطلوبين للقضاء والقتلة، فيما أُهدرت دماء الأبرياء وغابت العدالة.
بل منذ ذلك الحين، صار التنظيم بحاجة إلى "عدو وهمي" يحمله مسؤولية إخفاقه وفساده، فاختار أن يجعل من حمود الصوفي هدفا سهلا لحملاته الإعلامية، وكأنه قوة خارقة تدير مؤامرة كونية ضدهم.
فيما تجاهلوا أنه رجل مدني، يعيش خارج البلاد منذ اندلاع الحرب، لا يملك سوى سمعته الوطنية وسجله العملي، فيما هم يملكون الأرض والسلاح والقرار .
ومع ذلك يعجزون عن إدارة مدرسة أو تنظيف شارع.
على إن المفارقة المؤلمة أن من بنى تعز صار يتهم اليوم بأنه يكرهها، بينما من دمرها يتحدث باسمها.
ولكن حمود الصوفي لم يكن خصما لتعز يوما، بل كان من أكثر من أحبها وأخلص لها.
وحين كانت المدينة تغرق في الدم والفوضى، ظل اسمه يذكر الناس بزمن كان فيه للإدارة معنى، وللمسؤولية هيبة، وللمدينة ملامح.
والحال أن التاريخ لا يكتب بالشعارات، بل بما يتركه الإنسان من أثر.
وحمود خالد الصوفي ترك أثره واضحا في كل شارع ومشروع، بينما خصومه تركوا وراءهم أنقاضا ومرارة. وخذلان.
لكن بين البناء والهدم، ستظل تعز تعرف أبناءها الحقيقيين،و تفرق بين من خدمها بإخلاص، ومن اتخذها مطية للفساد والدمار.
وعني أعرف حمود خالد الصوفي منذ عشرين عاما، يختلف الناس معه أو يتفقون، لكنه لا يخاصم أحدا، ولا تعرف الكراهية طريقا إلى قلبه.
رجل هادئ الرأي، محسود السيرة، إذا تحدث أصغى الجميع، وإذا عمل أنجز بصمت.
ومن يعرفه عن قرب يدرك أنه وُلد ليبني لا ليهدم.!

زر الذهاب إلى الأعلى