حين تقفل الأبواب

Author Icon الدكتور / عادل الشجاع

نوفمبر 11, 2025

اعتقال الدكتور رامي عبد الوهاب، ثم عالم الاجتماع الدكتور حمود العودي، والمهندس عبد الرحمن العلفي، ومعهم أنور شعب — ليست حوادث منفصلة بل فصول من مسلسل واحد: مسلسل قمع ممنهج يستهدف أصوات العقل، والضمير، والمبادرات المدنية عندما تمتد أياد إرهابية بهذا السهولة لتقتاد كبار في السن، ومؤسسين لمبادرات اجتماعية تدعو إلى الرقي والتسامح وفتح الطرقات وحل الخلافات، يتراجع ما تبقى من حياء السياسة وكرامة الوطن إلى ذيل من ذيول أوهام القوة..

هذه الاعتقالات ليست «أمنية محلية» يبررها خوف عابر، هي رسالة رعب منظَّمة تبعث في المجتمع كلما شعرت هذه الجماعة بتهددها أو بضعف مكانتها، في كل سجن مغلق تنزع منه أسماء ووجوه ومعرفة، وفي كل احتجازٍ قسري تهدر كرامة أسرة وإنسان. هذا منتهى الإرهاب: ليس فقط حمل السلاح، بل استئصال صدى الوعي في المجتمع وكتم صوت المبادرات التي تسعى لإصلاح مدنيّ سلمي..

من جهةٍ أخرى، لا يمكن تجاهل مسؤولية الأطراف الأخرى — الشرعية، وتحالف الدعم الدولي، والنخب السياسية والثقافية — عن الوضع القائم، ليس تواطؤا بالضرورة، بل غياب فعل مؤثِّر وحقيقي، مسؤولو الشرعية وتحالفاتها نحملهم المسؤولية الأخلاقية والسياسية في عدم خوض معركة استعادة الدولة بكل أدوات القانون والدبلوماسية والحماية المدنية، وفي ترك الساحة فارغة أمام احتلال واقعٍ يشرعن الاعتقال السياسي ويكرسها واقعا يوميا، كما أن صمت النخب — السياسية، الثقافية، والإعلامية — عن هذه الانتهاكات ليس براءة بل شريك في الاستكانة، فالصمت يسهم في تطبيع القمع..

وللنخب مسؤولية خاصة لا تحتمل التبرير: إن البقاء في دائرة الصمت أو التبرير الخافت هو رفْع غير مقصود لشرعية القمع، المطلوب أن يتحدث المثقفون، وأن يبرز الإعلام جرائم تعطيل الكرامة، وأن تمتنع الأحزاب عن تصفية حساباتها الصغيرة على حساب إنسانية الناس، التاريخ لن يرحم من اختار الذهاب مع الرياح بدل أن يصطف مع الحقوق..

أقول للذين يحمون القمع باسم الأمن أو الاستقرار: الأمن الحقيقي لا يؤتى به بخنق المجتمع وبالسجون المليئة، فالكرامة والحرية سلامةٌ وطنية؛ وكل مشروع سياسي يبنى على إذلال المواطنين محكوم بالفشل، إن استعادة الدولة لا تقاس ببيانات عسكرية أو سيطرة جغرافية فحسب، بل بقيام مؤسساتٍ عادلة تحمي حقوق الناس وتكفل كرامتهم أمام القانون..

في النهاية، لا أؤمن بأن الخلاص يأتي من عاصفةٍ عمياء؛ لكنني أيضا لا أقبل أن يكون الطريق إلى أي استقرار مرصوفا بسجون ودموع أسرٍ مضطهدة، لقد حان الوقت لأن تتحمل كل الأطراف مسؤولياتها — حكومات، تحالفات، مجتمع دولي، ونخب — قبل أن تستأنف البلاد رحلة الانحدار..

لنقف عند حدود الكلمات: الحرية للمعتقلين، والعدالة للضحايا، واستعادة كرامة الشعب هي امتحاننا جميعا، وإذا استمر الصمت، فسنكون جميعا شريكا في هزيمتنا المعنوية قبل أن تصبح مادية!.

المصدر: صفحة الدكتور على الفيس بوك
زر الذهاب إلى الأعلى