اليمن يدمر اليوم بسواعد أبنائه قبل أي شيء آخر

Author Icon الدكتور / عادل الشجاع

ديسمبر 19, 2025

ما يجري في اليمن لا يمكن اختزاله في مؤامرة خارجية أو عدوان أجنبي فقط، هذا تبسيط جبان يريح الضمير ويعفي الجناة الحقيقيين من المساءلة، فالحقيقة الأقسى أن اليمن يدمر اليوم بسواعد أبنائه قبل أي شيء آخر، وأن الشعب – أو قطاعات واسعة منه – لم يكن مجرد ضحية، بل تحول إلى وقود دائم لهذه الحرب القذرة..

هذه ليست حرب بنية تحتية، بل حرب على فكرة اليمن نفسها، حرب تهدف إلى محو هوية تشكلت عبر آلاف السنين، وإلغاء وطن اسمه اليمن من الوعي الجمعي، وتحويله إلى فسيفساء من الكراهية والدم والعصبيات، وما كان لهذا المشروع أن ينجح لولا القبول الشعبي، ولولا الاصطفاف الأعمى خلف المليشيات، ولولا تحويل القاتل إلى بطل لأنه ينتمي للمنطقة نفسها..

حين يدعم المواطن مليشيا لأنها من منطقته، وحين يكره مواطنا آخر فقط، لأنه ليس من منطقته، فهذه ليست مقاومة ولا سياسة، بل انتحار جماعي، لقد استبدلنا معيار الفعل بمعيار الجغرافيا، والحق بالعصبية، والوطن بالقبيلة المسلحة، وهنا تحديدا مات اليمن..

الشعب الذي يفترض أنه مصدر الشرعية، هو ذاته من منح المليشيات شرعية الدم، ووفّر لها الحاضنة، وحماها من السقوط، صمت عن جرائمها، برر فظائعها، ودافع عنها بوقاحة، ثم بكى لاحقا من الخراب الذي صنعه بيديه، لا يمكن لشعب يقدس السلاح ويحتقر الدولة أن ينتج سلاما، ولا لشعب يلعن الوطن صباحا ويموت باسمه مساء أن يدعي أنه مغلوب على أمره..

أما النخب السياسية، فهي العار المضاعف، نخبة خانت دورها التاريخي، وتحولت إلى ظل لأمراء الحرب، أو موظفين في بلاطات السلاح، أو محللين يبررون القتل بلغة ناعمة، باعت السياسة مقابل النفوذ، وباعت الوطن مقابل الحماية، وباعت المستقبل مقابل اللحظة، لم تكن عاجزة، بل فاسدة، ولم تقص، بل اختارت الانبطاح!.

النتيجة؟ مواطن منزوع الهوية، مسلوب المعنى، يرفض الدولة لأنها تطالبه بالقانون، ويعشق المليشيا لأنها تمنحه وهم القوة، مواطن ينتقم من ذاته، ويغذي الوحش الذي يلتهمه، ثم يتساءل ببراءة مصطنعة: من دمر اليمن؟.

اليمن لم يدمر فقط بالصواريخ، بل بالعقول التي بررت، وبالألسن التي حرضت، وبالقلوب التي كرهت أبناء وطنها أكثر مما كرهت الخراب، دمر حين أصبح الانتماء المناطقي أعلى من الانتماء الوطني، وحين صار الدم أرخص من الموقف، وحين تحول الصمت إلى فضيلة!.

لن يخرج اليمن من هذا الجحيم إلا حين يعترف الشعب بمسؤوليته، وحين تكسر القداسة الزائفة للمليشيات، وحين تحاسب النخب لا تستعاد، وحين يولد مشروع وطني حقيقي لا يهادن العنف ولا يغازل العصبيات، مشروع يعيد تعريف اليمن كقيمة للحياة لا كساحة موت..

غير ذلك، فكل حديث عن السلام كذب، وكل دمعة على الوطن نفاق، وكل ادعاء بالبراءة مشاركة مؤجلة في الجريمة..

زر الذهاب إلى الأعلى