الفوضى كوظيفة سياسية: من يصنع الانهيار في العالم العربي ؟
لا يمكن النظر إلى حالات الفوضى الممتدة من السودان إلى اليمن وليبيا والصومال بوصفها أزماتٍ معزولة أو نتاج إخفاقات محلية بحتة ، بل تبدو – في جوهرها – تعبيرًا عن نمطٍ سلوكي واحد يتكرر بأدوات مختلفة وساحات متعددة . هذا النمط يفترض وجود «محركٍ أساسي» للفوضى تتقاطع عنده مصالح قوى إقليمية ودولية ، ويُدار عبر تفكيك الدول وإطالة الصراعات وإدامة هشاشة السلطة بدل حسمها أو إصلاحها .
إن المسؤولية السياسية والأخلاقية تقتضي الانتقال من إدارة نتائج الفوضى إلى تقصّي أسبابها، ومن معالجة الأعراض إلى تشخيص الفاعل المحرّك لها . فبدون “تحديد هذا المحرك” ستبقى أي حلول جزئية أو تسويات موضعية مجرد أدوات لتدوير الأزمة لا إنهائها .
شعوب هذه الدول لا تطلب المستحيل؛ مطلبها الجوهري هو الأمن والاستقرار والحد الأدنى من من أمكانيات الدولة القادرة على حماية الحياة والكرامة . واستمرار العبث بهذه المطالب والزجّ بالأرواح في صراعات بالوكالة أو مشاريع تفكيك مقنّعة بشعارات سياسية أو أخلاقية ، لا يخدم في المحصلة إلا منظومات الهيمنة العابرة ، وفي مقدمتها “المشروع الصهيوني العالمي” الذي لا يزدهر إلا في بيئات الانقسام والفوضى وتآكل الدول الوطنية .
من هنا: فإن التعامل مع هذه الحالة لا يكون بالمجاملات السياسية أو الخطابات الإنشائية ، بل بموقفٍ واضح: إما مناصحة صريحة لهذا المحرّك إن كان شريكًا قابلاً للتصحيح ، أو مواجهته سياسيًا واستراتيجيًا إن ثبت أنه يتغذّى على الفوضى بوصفها وظيفة . فالأمن الإقليمي ليس ترفًا بل شرط وجود ، وأرواح الشعوب ليست مادةً للاختبار ولا أوراقًا في صراعات الآخرين .