صدور كتاب براين كارلسون الذي يرسم صرخة لاستعادة إنسانيّتنا

الثقافة والفن
حميد عقبي + باريس

عن المنتدى العربي الاوروبي للسينما والمسرح في فرنسا، صدر كتاب براين كارلسون يرسم صرخة لاستعادة إنسانيّتنا وهو قراءة فنية وفلسفية في تجربة فنان وناشط حقوقي أمريكي احب اليمن وفلسطين وتضامن مع الأحرار في ايران وأفريقيا وبلدان متعددة.

هذا الكتاب الذي انجزه الفنان التشكيلي والمخرج اليمني حميد عقبي هو محاولة أولى – وربما متواضعة – للوقوف أمام تجربة فنية وإنسانية استثنائية، يخوضها الفنان الأمريكي المقيم في الأرجنتين براين كارلسون، الذي لا يكتفي بالرسم بل يصرخ باللون، يحتج بالريشة، ويحتضن الألم الإنساني بالكلمة والصورة والحب. لا يقدم الكتاب تحليلًا أكاديميًا تقليديًا، بل تأملات عميقة في لوحات مختارة (17 لوحة فقط من مئات أعماله)، مع مقدمة وخاتمة باللغتين العربية والإنجليزية، تجعل من هذا الكتاب دعوة مفتوحة إلى عالم فني يتجاوز الإطار والصالون.

براين ليس فنانًا منعزلًا في مرسم ناعم بعيد عن الحياة، بل ناشط بيئي وحقوقي لا يهادن، يقف ضد العنصرية والتعصب والعبودية المعاصرة، يعارض سياسات بلاده في مجالات كالهجرة وصناعة السلاح وتدمير المجتمعات الهشة. يستخدم فنه كمنصة احتجاج، منخرط في المسيرات والمعارض والمهرجانات، وتُشكّل صفحته على "فايسبوك" أرشيفًا حيًا مفتوحًا لمتابعة نضاله البصري والفكري المستمر.

الكتاب يعرض أعمال براين ليس فقط كلوحات، بل كوثائق فنية شاهدة على مجازر ومآسي معاصرة، خاصة في فلسطين واليمن وأفريقيا، حيث يعاني الأطفال والنساء والمهمشون من ويلات الحروب والاحتلال والفقر والتجويع. لوحات براين تحتفي بالضعفاء والمكسورين، وتحوّلهم إلى رموز للقداسة والمقاومة.

ما يميز هذا الفنان هو حسّه الفلسفي والروحي، حيث لا يغرق في المباشرة أو الاستعارة الرمزية الجوفاء. أعماله تفيض بالصدق وتجرّ المشاهد إلى صمت عميق، فيكون التلقي فعل تأمل وتطهّر، لا مجرد إعجاب جمالي. ومن هنا، تتقاطع رؤيته مع بعض التجارب السينمائية القلقة والصادمة، كأفلام إنغمار بيرغمان، بازوليني، ولويس بونويل، حيث يصبح الجمال وسيلة لكشف قبح العالم، ويغدو الفن مقاومة.

الكتاب لا يدّعي أنه أحاط بتجربة براين أو فكك رموزه، بل يقدّمه بوصفه مدخلًا حيويًا ووجدانيًا إلى عالم فنان لا يخفي نفسه، لا يجمّل الكارثة، بل يضعنا في قلبها. إنه دعوة لكتابة مزيد من الدراسات حول هذه التجربة، ودعوة أكبر لمشاهدة اللوحات والتفاعل معها، فكل لوحة تحكي فجيعة، وكل خط يرسم روحًا بشرية تحترق بصمت.

في زمن تتعفن فيه الضمائر، وتُستبدل الكرامة بالدعاية، تأتي لوحات براين كتذكير بأن السلام ليس رفاهية، بل ضرورة، وبأن الجمال الحقيقي ليس ما يُعرض في المزادات، بل ما يُشعل فينا شرارة الرحمة والغضب النبيل.

هذا الكتاب المجاني المتاح إلكترونيًا، والمطبوع بسعر التكلفة لمن يرغب، ليس فقط تكريمًا لفن براين، بل هو تكريم لفكرة الفن ذاتها عندما تتجرد من الأنا ومن السوق، لتصبح فعل إنصات حقيقي للعالم، ولجراحنا المفتوحة.

براين كارلسون، في هذا الكتاب، ليس ضيفًا ولا مادة تحليل، بل أخ وصديق، ومرشد روحي في لحظة يسودها الظلام.
فنُه هو الصرخة التي تأخّرنا كثيرًا في سماعها.

زر الذهاب إلى الأعلى