هل أوروبا مستعدّة لموجات الجفاف وندرة المياه؟

الأخبار العالمية
اليمني الجديد - متابعات

بينما تنخفض مستويات المياه في المجاري المائية الحيوية ويزداد قلق المزارعين الأوروبيين على محاصيلهم، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى وضع استراتيجية تَضمَن استمرار تدفّق المياه. البعض يرى الحل في "إعادة المساحة إلى الطبيعة"!

تُعاني مالطا، الجزيرة الواقعة في وسط البحر الأبيض المتوسط بين إيطاليا وشمال إفريقيا، من شُحٍّ دائمٍ في المياه؛ فلا أنهار فيها ولا بحيرات، كما أن معدلات هطول الأمطار فيها منخفضة. ومع مناخها الحار الجاف، وسكانها البالغ عددهم خمسمئة وثلاثة وستين ألف نسمة، فضلًا عن عدد السيّاح السنوي الذي يفوق عدد السكان بستة أضعاف، فإن كل قطرة ماءٍ تُعدّ ثمينة. يقول توماس باجادا، عالم الأحياء البحرية وعضو البرلمان الأوروبي المنتخب حديثًا: "لقد عشنا دائمًا من دون كميات كافية من المياه". لكنه أضاف في حديثه إلى DW أنّ هذا النقص دفع بلاده إلى الابتكار.

في الوقت الحاضر، يأتي نحو ثلثي مياه الشرب من مياه البحر المُحلّاة، والتي تُخلط مع كمية قليلة جدًّا من المياه الجوفية. كما تُسهم الاستثمارات في حلول تقنية أخرى — مثل العدادات الذكية، وإدارة التسربات، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي — في منع انقطاع المياه عن السكان، على الأقل في الوقت الراهن.

خُمس أوروبا يُعاني بالفعل من ضغوط مائية

لكن مع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد التقلّبات في أنماط الطقس بسبب تغيّر المناخ، من المُتوقّع أن تنتشر التحديات المائية التي تواجهها مالطا في أنحاء أخرى من أوروبا. فمع اعتماد العديد من المدن والمناطق الأوروبية على ممارسات تقليدية في إدارة المياه، يُعاني نحو خُمس القارّة سنويًّا من ضغوط مائية، بحسب ما أفادت به الوكالة الأوروبية للبيئة. وأشارت إلى أنّ أوروبا تتوقّع أن يتضاعف الطلب على المياه بحلول عام 2050، الأمر الذي قد يُفضي إلى نقص حاد في الموارد المائية في المستقبل.

يقول لوك شاربنتييه، رئيس قسم السياسات في منظمة "ماء أوروبا" التي تُعنى بتقنيات المياه: "إنّ أوروبا تقف في واجهة أزمة مياه متفاقمة، تهدِّد الصناعة والزراعة والنُّظم البيئية وحقّ المواطنين في الحصول على المياه".

فقد أصبحت موجات الحر الشديدة وفترات الجفاف الطويلة — التي كانت نادرة في أوروبا — ظواهر سنوية في العديد من المناطق. وقد حطّمت موجات الحر المتعددة في عام 2024 الأرقام القياسية لدرجات الحرارة، وكانت أوروبا الوسطى والشرقية ومنطقة البحر الأبيض المتوسط من أكثر المناطق تضرّرًا من الإجهاد الحراري وتقلّص احتياطات المياه، بحسب بيانات خدمة كوبرنيكوس لتغيّر المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي.

وقد شدّد أول تقييم مناخي شامل للمخاطر في أوروبا، الصادر عن الوكالة الأوروبية للبيئة في آذار/ مارس عام 2024، على أنّ هذه الظواهر المناخية القصوى باتت تُحدِث بالفعل اضطرابات كبيرة في النُّظم البيئية، والزراعة، والنشاط الاقتصادي، وصحة الإنسان، وإمدادات المياه. كما أشار إلى أنّ الجفاف والحرارة المفرطة قد "تُفاقم المخاطر والأزمات القائمة... وتُفضي إلى انعدام الأمن المائي والغذائي، وتعطيل البُنى التحتية الحيوية، وتهديد الأسواق المالية والاستقرار الاقتصادي".

ندرة المياه تُؤدّي إلى "تصاعد النزاعات"

أتيناي جورج، من مجموعة الضغط "الحركة الأوروبية من أجل المياه" تقول إن: "لا أحدا يرى ما هو آتٍ حين نتحدث عن المياه، سواء من ناحية تلوّثها أو ندرتها". وأضافت: "إنها قضية بيئية وعدالة اجتماعية كبرى، لأنّ ندرة المياه تُفضي إلى تصاعد النزاعات، وقد رأينا ذلك بالفعل في مناطق أخرى من العالم".

في عام 2012، قادت الحركة الأوروبية من أجل المياه حملة "الحق في الماء"، والتي وقّعها أكثر من مليون وستمئة ألف مواطن في الاتحاد الأوروبي. وطالبت الحملة المفوضية الأوروبية بضمان بقاء المياه خدمةً عامة، و"ضمان أن يتمتع جميع السكان بحقهم في المياه".

وقد أُعيدت صياغة توجيه مياه الشرب — وهو التشريع الرئيسي للاتحاد الأوروبي في ما يخص مياه الشرب — بعد الحملة، ودخل حيّز التنفيذ في عام 2021. وهو يُلزم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بـ"تحسين الوصول إلى مياه شرب آمنة" لجميع المواطنين.

ومع ذلك، تُظهر بيانات الوكالة الأوروبية للبيئة أنّ نحو ثلاثين في المئة من مواطني الاتحاد الأوروبي لا يزالون يُعانون من نقص المياه كل عام.

هل يُمكن لاستراتيجية أوروبية جديدة أن تُصلِح الوضع؟
من المقرّر أن تُقدِّم المفوضية الأوروبية أخيرًا استراتيجية الصمود المائي في أوائل شهر حزيران/ يونيو، بعدما سُحِبت من جدول الأعمال قبل انتخابات البرلمان الأوروبي لعام 2024، إثر احتجاجات المزارعين وانتقادات الأحزاب اليمينية لخطط الاتحاد الطموحة بشأن المناخ.

ومن المتوقّع أن تركّز الاستراتيجية بشكل كبير على الكفاءة، وإعادة استخدام المياه، والحلول التقنية — لا سيما في القطاعات التي تعتمد على المياه مثل الصناعة والزراعة.

وتقول جيسيكا روسوال، المفوضة الأوروبية لشؤون البيئة والصمود المائي، خلال حديثها في البرلمان الأوروبي في مطلع شهر أيار/ مايو: "نُريد أن نُعالج الأسباب الجذرية لتحديات المياه، بما في ذلك التلوث، والندرة، وتأثير تغيّر المناخ". كما شدّدت على خطط تهدف إلى "تعزيز القدرة التنافسية لصناعة المياه في الاتحاد الأوروبي".

وقد دعا أعضاء البرلمان الأوروبي المفوضية إلى أن تكون "طموحة" في تحديثها لاستراتيجية إدارة المياه والتكيّف مع تغيّر المناخ، وهي استراتيجية وصفها توماس باجادا بأنها "مُشتَّتة وقطاعية وغير تفاعلية".

ويقول باجادا، الذي تولّى إعداد تقرير البرلمان بشأن المياه: "هذا يعني الانتقال من الوعود إلى العمل الفعلي والملزم. لا يُمكننا أن نستمر في التعامل مع المياه وكأنها مورد لا ينضب. ولهذا يدعو التقرير إلى وضع أهداف مُلزمة لكفاءة استخدام المياه وتقنين سحبها — حسب كل قطاع، وفي كل حوض مائي". وأقرّ باجادا بأنّ إدارة المياه مسألة وطنية وفق ما ينص عليه ميثاق الاتحاد الأوروبي، لكنّه أكّد في الوقت نفسه على ضرورة أن تُدرك الدول الأعضاء أنّها مسؤولية عابرة للحدود.

تحديث البنية التحتية وتعزيز الكفاءة

نوّاب البرلمان الأوروبي يرون أن على المفوضية أن تُعطي الأولوية لتمويل مخصّص من أجل الصمود المائي — أي أموال تُوجَّه إلى تحديث البنية التحتية للمياه، وإنشاء حلول تعتمد على الطبيعة، واستخدام الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات الحديثة لتحسين الكفاءة والمراقبة والأمان.

ويرى توماس باجادا، من مجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين (الوسط اليساري)، في حديثه إلى DW: "نحتاج إلى أموال للاستثمار المباشر في الابتكار، والاستثمار المباشر في إدارة مياه أكثر ذكاءً، في الصناعة وفي الزراعة. دعونا نستثمر من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ونستخدم بنك الاستثمار الأوروبي لزيادة الاستثمارات، ولكن أيضًا نُخصّص بندًا مباشرًا في الميزانية الأوروبية المقبلة".

وقال لوك شاربانتييه، من منظمة "المياه من أجل أوروبا"، عبر البريد الإلكتروني: "الجفاف والتكيّف مع تغيّر المناخ هما جزء فقط من الصورة الكبرى"، مشدِّدًا على الحاجة إلى تطوير بنية تحتية جديدة وتوسيع نطاق التحوّل الرقمي. وأضاف: "يجب على أوروبا أن تُحفّز الاستثمارات في جميع القطاعات — من المواطنين والشركات إلى السلطات المحلية والإقليمية".

استعادة المياه عبر "إعادة المساحة إلى الطبيعة"
في المقابل، عبّر نشطاء بيئيّون عن خيبة أملهم ممّا وصفوه بالنجاح الذي حقّقه النواب المحافظون وذوو التوجّهات اليمينية المتطرّفة في إضعاف دور الحلول المستندة إلى الطبيعة، واعتبروا ذلك "سابقة مقلقة" قبل إصدار المفوضية الأوروبية لاستراتيجيتها. وانتقدوا المساعي الرامية إلى إضعاف أهداف ترميم الطبيعة والحفاظ عليها، بالإضافة إلى الإجراءات المتعلقة بمكافحة تلوّث المياه.

وقالت ائتلاف أنهار أوروبا الحيّة في بيان: "لا يُمكننا التصدّي لقارة تستنزف فيها المياه النظيفة بشكل متزايد، أو إصلاح الدورات المائية المختلّة، من دون التعاون مع الطبيعة". وأضاف الائتلاف: "إنّ الحلول القائمة على الطبيعة — مثل استعادة الأراضي الرطبة وإزالة الحواجز التي تعيق تدفّق الأنهار — هي أكثر فعالية من حيث التكلفة، وأسهل تنفيذًا، وأكثر استدامة بيئيًا من البنية التحتية الخرسانية والحلول التقنية".

وقالت أتيناي جورج، من "الحركة الأوروبية من أجل المياه" التي تُناهض خصخصة خدمات المياه: "لا يُمكنك أن تفي بالأهداف البيئية والاجتماعية والأخلاقية عندما يكون دافعك الأساسي هو الربح". وأضافت في حديثها لـ DW أنّ مشاريع البنية التحتية الحديثة، مثل محطات تحلية المياه والسدود، تُكلّف كثيرًا في بنائها وتشغيلها، وتستهلك كميات كبيرة من الطاقة، وتتطلب صيانة باهظة.

في المقابل، أشارت جورج إلى أنّ النهج القائم على الحفاظ على المياه في التربة وتجديد المياه الجوفية المستنزفة — على سبيل المثال باستخدام الأسطح النفّاذة في المدن، أو توفير مساحات أوسع للأنهار والجداول — هو نهج أكثر استدامة على المدى الطويل.

وختمت قائلة: "إذا نظرت إلى كلا النوعين من الحلول، أيُّهما أسهل؟ أيُّهما أكثر كفاءة من حيث التكلفة؟ الجواب هو ببساطة: إعادة المساحة إلى الطبيعة

المصدر: DW
زر الذهاب إلى الأعلى