مكاسب السعودية اكبر من مكاسب واشنطن في زيارة محمد بن سلمان الأخيرة
الأخبار العالمية
غطّت أكاذيب الرئيس دونالد ترامب بشأن كاتبنا الذي جرى اغتياله، جمال خاشقجي، على "المنجزات" الملموسة التي قدّمها لمحمد بن سلمان خلال زيارة ولي العهد السعودي هذا الأسبوع، هذا ما حاولت افتتاحية واشنطن بوست ايضاحه .
وحسب الصحيفة فلقد حصل محمد على فوائد من الرحلة تفوق ما حصلت عليه الولايات المتحدة، رغم أن أعمال عائلة ترامب التجارية ستجني أرباحًا كبيرة من صفقات خاصة مع السعوديين، وعاد «م.ب.س»، كما يُعرَف محمد، إلى بلاده وهو يحمل إذنًا لشراء 48 طائرة مقاتلة متقدمة من طراز F-35، وهي طائرات لا يثق كثيرون في البنتاغون، ولا في إسرائيل، بأنه يجب أن يمتلكها، فضلًا عن ما يقرب من 300 دبابة أبرامز.
كما منح ترامب السعودية صفة "حليف رئيسي من خارج الناتو"، ووافق على تزويدها بتكنولوجيا ذكاء اصطناعي "رائدة عالميًا"، على أمل ألا ينتهي بها الأمر مُسلَّمة إلى الصين.
في المقابل، التزم السعوديون بالاستثمار بما يقرب من تريليون دولار في الولايات المتحدة، مرتفعا من 600 مليار أعلنوا عنها في مايو، ولم يقدّموا إطارًا زمنيًا لهذا الرقم غير الواقعي، الذي يعادل تقريبًا حجم الناتج الاقتصادي السنوي للمملكة، ويقول محللون إن تحقيقه سيكون أكثر صعوبة في ظل انخفاض أسعار النفط وتزايد العجز في الميزانية بسبب الإنفاق غير المجدي على مشاريع بنى تحتية عديمة الجدوى، لكن ترامب يحب الأرقام الضخمة، والسعوديون، مثل غيرهم، سعداء بالمجاراة.
إنها حقيقة غير مريحة في الجغرافيا السياسية أن الولايات المتحدة مضطرة للتعامل مع العائلة المالكة السعودية، فالمملكة تشكل حاجزًا في وجه النظام الإيراني الراديكالي المعادي لأمريكا ووكلائه الإقليميين، كما أن الدعم السعودي ضروري لخطط إعادة إعمار غزة، ومع ذلك، واصل ابن سلمان، خلال زيارته لواشنطن، مقاومة ضغوط ترامب للانضمام إلى دول عربية معتدلة أخرى في اتفاقات أبراهام.
ويقول الأمير إن مثل هذا الاعتراف لا يمكن أن يأتي، إلا بعد أن تعترف إسرائيل بمسار موثوق يقود إلى دولة فلسطينية، وكان من شأن طائرات F-35 أن تكون حافزًا ممتازًا لدفع ابن سلمان إلى توقيع الاتفاقات، لكن ذلك لم يعد خيارًا.
لقد حذّرت وكالة استخبارات الدفاع في تقرير لها مؤخرًا، من أن الصين قد تتمكن من الوصول إلى تكنولوجيا F-35 إذا مضت الولايات المتحدة قدمًا في الصفقة، نظرًا لشراكة الرياض الأمنية مع بكين، وأعرب قادة الدفاع الإسرائيليون، بشكل منفصل، عن رفضهم للصفقة لأنها قد تُعرّض تفوّقهم الجوي في الشرق الأوسط للخطر.
لقد أقرّ ترامب بكل ذلك، لكنه خلص إلى أن البلدين يستحقان الحصول على الطائرات "الأفضل في فئتها".
لحسن الحظ، ترامب وابن سلمان لم يتوصلا إلى اتفاق بشأن مشاركة الولايات المتحدة للتكنولوجيا النووية المدنية مع السعودية، رغم أن المملكة غارقة في الطاقة الرخيصة، لكنهما اتفقا على مواصلة النقاش.
العلاقة مع المملكة بالنسبة لترامب، عملية وكذلك شخصية، فقد أعجب منذ فترة طويلة بالسعودية، وسافر إليها خلال أولى رحلاته الخارجية الكبرى في كل من ولايتيه الأولى والثانية، وتتشابك أعمال عائلته على نطاق واسع مع السعوديين، بما في ذلك التطوير المشترك لمنتجع فاخر جديد في جزر المالديف وعدة مشاريع تحمل اسم ترامب داخل المملكة، كما ضخّ صندوق الثروة السيادي السعودي ملياري دولار في صندوق استثمار يديره صهر ترامب، جاريد كوشنر، واستضافت رابطة LIV Golf المدعومة سعوديًا بطولات في ممتلكات ترامب.
وارتدت السيدة الأولى، ميلانيا ترامب، فستانًا أخضر كإشارة دعم للمملكة خلال مأدبة رسمية في البيت الأبيض تكريمًا لمحمد، وحضر المأدبة دونالد ترامب الابن، الذي يدير أعمال العائلة إلى جانب شقيقه إريك. كما حضر كريستيانو رونالدو، الذي يلعب لنادٍ سعودي؛ وقال ترامب إن ابنه الأصغر، بارون، من كبار المعجبين به، وحتى إيلون ماسك عاد بعد أول زيارة له منذ خلافه مع ترامب في يونيو.
لقد بدأ ترميم صورة ابن سلمان خلال عهد الرئيس جو بايدن، الذي وعد بأن يعامله كـ«منبوذ»، لكنه سافر إلى جدة ومنح ولي العهد «قبضة يد» شهيرة عام 2022 في محاولة للحفاظ على انخفاض أسعار النفط بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
وسخر ترامب من «قبضة» بايدن حين صافح ابن سلمان بحرارة، وقال الرئيس: «لا يهمني أين كانت تلك اليد»، في إشارة واضحة إلى استنتاج وكالة المخابرات المركزية بأنه أمر باغتيال خاشقجي.
يسعى محمد إلى بناء صورة إصلاحية، فقد سمح للنساء بالقيادة، ووسّع أماكن الترفيه، واستضاف مهرجانات كوميدية، وقلّص سلطات الشرطة الدينية، لكنه أشرف في الوقت نفسه على حملة قمع وحشية ضد المعارضين، فقد نفّذت السعودية مئات الإعدامات في عام 2025، من بينهم الصحفي تركي الجاسر ومعارضون سياسيون لكن ترامب وصف السعودية في كلمة نخب لابن سلمان خلال مأدبة تكريمية له، بأنها "معجزة العصر الحديث".