المجلس الرئاسي يدعم تمرد المؤسسات الايرادية ويترك الحكومة وحيدة
التحقيقات
تحاول الحكومة بكل ما تستطيع الخروج من واقع الفساد ونهب الموارد التي استمرت لسنوات ،حيث تمكنت مرافق ومؤسسات ايرادية من جمع مليارات الريالات، واستعملتها بشكل غير مشروع في اثراء بعض الشخصيات والاحزاب والكيانات ، فيما تعتمد بعض المكاتب والمؤسسات الايراداية في تمردها ،على واقع نفوذ مسؤولين في المجلس الرئاسي ومراكز قوى سياسية وعسكرية.
وأرسلت أموال كبيرة للخارج للاستثمار من ايرادات النفط والغاز والضرائب والرسوم، لصالح كيانات واطراف سياسية ، لتقوم بالتحكم بهذه الأموال وهو ما أدى إلى عجز حكومي وعدم القدرة على صرف المرتبات ،وبناء المشاريع ومواجهة واقع العجز والتضخم .
ورغم الضغوطات الخارجية على المجلس الرئاسي لدعم الحكومة ،في مواجهة واقع اقتصادي ومالي متراكم ومعقد ، تسبب بعجز الحكومة في الايفاء بالالتزام بتعهداتها .
إلا أنه حسب مراقبين فإن المجلس الرئاسي مازال يحاول زيادة تعقيدات الحكومة وافشالها ،ورغم تمرد العديد من المسؤولين والمؤسسات والالوية والمحاور العسكرية ،في انهاء نهبها للايرادات وعدم ايرادها للبنك المركزي .
المجلس الرئاسي حسب سياسيين ،يحاول فرض ما يشبه اغراق الحكومة بالمزيد من الازمات وشرعنة واقع ذلك التمرد، دون أن يتجه إلى حسم ملف نهب الموارد واقالة المسؤولين، والجهات التي ترفض تحويل الايرادات للبنك المركزي .
تضارب المصالح
خلال السنوات السابقة كان المجلس الرئاسي يعمل وفق خيارات سياسية محددة لا تمس الواقع الاقتصادي والمالي، وطوال وجود هذه السلطة متعددة الرؤوس والوظائف والمشاريع ، زادت الازمات ووجد اليمنيين أنفسهم أمام سلطة رخوة ،تبني أجندتها حسب مصالح فئات ضيقة، دون وجود مشروع حقيقي يعمل على مكافحة الفساد وتعزيز الموارد .
كانت شمعة المجلس الرئاسي تتعمد على التبريرات، فكثيرا ما تحدث الرئيس رشاد العليمي عن استهداف الحوثيين لتصدير النفط في حضرموت، وهذا حرم الدولة عن العديد من المصادر المالية التي تعزز فيها مواردها حسب زعمه ،لكن لم يكن أحد من اليمنيين يعلم أن هناك مؤسسات ومرافق حكومية تقوم بالتمرد على واقع الحكومة، وتمارس دورا فرديا لصالح شخصيات وأحزاب وغسيل أموال، واستثمار تلك الاموال لمصالح شخصية، حيث ترسل مليارات الدولارات إلى الخارج دون أن يستفيد منها اليمنيين في الداخل.
ساد الاعتقاد لسنوات أن واقع الدولة ومستقبل الحكومة المعترف بها مرتبط بإصلاحات فعلية، لكن في المقابل كان المجلس الرئاسي يؤدي دوراَ سياسي واقتصادي غامض في السياسات والوظائف، ولم يكن للمجلس أي دور ايجابي في تعزيز واقع الدولة والقوانين، وكذلك مواجهة الفساد المستشري في المؤسسات العليا إلى جانب المؤسسات الايراداية .
اخفاء فساد ناهبين الايرادات
في ذكرى الوحدة في 22 مايو قبل ستة أشهر تطرق الرئيس رشاد العليمي التي أتجاه جديدة في الاطار السياسي والاقتصادي وقال: "شرعنا بالفعل في خطوات جادة لتصحيح المسار، بدءاً بتعزيز استقلال السلطات، وتفعيل أجهزة إنفاذ القانون، ومعالجة بعض آثار حرب صيف 1994، وتوسيع اللامركزية المالية والإدارية وفقاً للدستور، ومرجعيات المرحلة الانتقالية».
لم يكتفي الرئيس العليمي بما حاول التبشير به بل حدد مرحلة كان الكثير يتصور بالفعل أن الرجل والمسؤول الأول صادقا ويعرف الطريق جيداٍ «نحن اليوم لا نطرح وعوداً، بل نتحدث عن إجراءات ملموسة، وخيارات مفتوحة، نحرص على إدارتها بحكمة ومسؤولية، بعيداً عن ردود الفعل، وبما يحفظ وحدة الصف الوطني، ويعيد الاعتبار للدولة بوصفه ضامناً حقيقياً للحقوق، والحريات العامة».
وتحدث العليمي كثيراً وفي العديد من المناسبات على التحديات الهائلة، وأزمة الموارد، التي فاقمتها هجمات الحوثيين على مواني تصدير النفط، وسفن الشحن البحري، جدّد العليمي الالتزام بمواصلة الإصلاحات في مجالات الكهرباء، والطاقة، والخدمات الأساسية، استكمالاً لما أُنجز خلال السنوات الأخيرة بدعم سعودي وإماراتي.
ووعد قبل ستة أشهر انه "سيحرص في هذا السياق مع رئيس الوزراء والحكومة على تحديد أولويات المرحلة، بالتركيز على الاستحقاقات الاقتصادية والخدمية، التي ستشهد خلال الأيام المقبلة انفراجة.
في 30 يونيو عام 2025 كشف الرئيس اليمني رشاد العليمي عند لقائه بالمجلس الأعلى للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية برئاسة رئيس مجلس الشورى، أحمد عبيد بن دغر إن الهجمات التي نفذتها جماعة الحوثيين على منشآت تصدير النفط تسببت في أزمة تمويلية خانقة، مشيرًا إلى تداعيات تلك الاعتداءات وانعكاساتها على جهود الحكومة للوفاء بالتزاماتها الأساسية وعلى رأسها رواتب الموظفين، والخدمات الاساسية.
هروب المجلس الرئاسي من الاصلاحات
في أواخر أكتوبر في الشهر الماضي، وافق المجلس الرئاسي على خطة أولويات الاصلاحات الاقتصادية الشاملة، واصدر المجلس قرار رقم 11 لعام 2025، وتضمن الاصلاحات التي معالجة الاختلالات القائمة، في عملية تحصيل وتوريد الموارد العامة في المحافظات .
والزم قرار مجلس القيادة المحافظات الخاضعة لسيطرته، توريد كافة الايرادات المركزية الى الحسابات المخصصة، " لحساب الحكومة العام " طرف البنك المركزي وفروعه في المحافظات، كما شدد القرار على الامتناع الصرف من هذه الموارد تحت أي مبرر .
وأكد القرار على عدم تدخل محافظي المحافظات بأعمال وشؤون المنافذ الجمركية، سواء بمنح أي تخفيضات أو اعفاءات جمركية أو أي تدخلات غير قانونية أخرى، والالتزام باللوائح والغاء كافة الرسوم غير القانونية المفروضة، من قبل محافظي المحافظات أو الوزارات أو تحصيل اي رسوم وبمستندات غير قانونية .
والغاء قرار المجلس الرئاسي الصناديق المستحدثة بدون أي اجراءات قانونية ، بالإضافة إلى اخضاع كافة الميازين لرقابة الجكومة، وتوريد حصة الحكومة من مبيعات الغاز المحلي إلى حساب الحكومة العام طرف المركزي اليمني .
كما تضمن القرار الزام شركة النفط اليمنية بتوريد مبيعات المشتقات النفطية المنتجة محليا ،وحصة الحكومة من قيمة مبيعات البنزين المحسن +C5، إلى حساب الحكومة المفتوح طرف البنك المركزي .
إلا أن تمرد محافظة محافظة المهرة في 7 نوفمبر على قرار المجلس الرئاسي، ومحاولة تجاوزه لاصلاحات الحكومة كشف عدم جدية المجلس الرئاسي، في احداث أي تغير ،وذلك من خلال الزام المحافظ بإيراد الموارد خاصة المرتبطة بالمنافذ الجمركية، والتزم الرئيس رشاد العليمي الصمت رغم مناشدات الحكومة وايضاحه لمثل هذا التجاوز .
واتجه محمد علي ياسر محافظ المحافظة ،إلى تشكيل لجنة للنزول إلى المنافذ الجمركية لأعادة توريد ضريبة المبيعات فيما يرتبط بتحصيل 70% من الرسوم الجمركية، وضريبة الارباح التجارية إلى حسابات المحافظة ،ثم جاء تمرد مصلحة الجوازات على الرسوم المضافة في محافظة تعز إلى جانب تحكم محور تعز بضريبة القات، ومطالبة رئيس الحكومة من وزير الدفاع تشكيل لجنة حول استمرار تجاوزات محور تعز العسكري إلى جانب مذكرات محافظ تعز للكشف على استمرار محور تعز في تجاوزاته والسطو على العديد من الموارد.
لم يحاول المجلس الرئاسي بعد كل هذه التجاوزات التي تخالف قراره، الزام محافظي محافظات بتوريد الموارد إلى البنك المركزي، كما أنه لم يسعى إلى الضغط على محور تعز بعدم المساس بالموارد والاستقطاعات غير المشروعة ،إلى جانب العديد من الرسوم المضافة التي قام بها للمحور على العديد من المكاتب الايرادية .
وحسب مصادر فإن تشدد الحكومة في المطالبة في توريد الموارد لتعزيز التزاماتها، جعل الرئيس رشاد العليمي يعمل على التخفيف من حدة دور الحكومة ،وذلك من خلال ترك العديد من الموارد بيد العديد من الجهات المخالفة ،سواء في المحافظات أو من قبل العديد من القيادات العسكرية، التي حاولت التنصل وتجاوز تلك القرارات لاصلاح واقع المؤسسات وتوريد الموارد للبنك المركزي .