قول على قول حول اللجنة الخاصة
أولًا: نعم، لا جديد مثير في موضوع اللجنة الخاصة، وقد صارت من المعرفة الشعبية في أوساط اليمنيين إلى درجة أن أي تفاصيل جديدة ليس لها معنى إذا أُخذت منفصلة أو لم تتلقفها المكائن الحزبية أو جماعات الضغط المهاجرة ؛ سبق وأن كان هذا الملف مثاراً من طرف نخبة سياسية مهاجرة في بريطانيا وأمريكا.
ثانيًا: إثارة موضوع اللجنة الخاصة في هذا التوقيت، وشيطنة السعودية، هو تطابق كامل مع خطاب الحوثي وتزامن مدهش مع تصعيده بعد انتهاء جولة غزة.
أو يخدم أطرافا أخرى تنافس السعودية النفوذ في اليمن وهي الأخرى لديها "لجنة خاصة" وتقدم أمولاً كثيرة لوكلائها وتمدهم بالسلاح والإعلام
ثالثًا: اللجنة الخاصة وتدخلاتها في اليمن أمر خطير، لكنه وجهٌ من المشكلة، والوجه الثاني والجوهري يكمن في سلوك النخب اليمنية وذهنية البيع والشراء وتهافتها على المال. وإثارة وجه واحد بانتقائية مدروسة يعني إعفاء اليمنيين من مسؤوليتهم واستمرار تقديمهم على أنهم ضحية عدم نضجهم وصبيانيتهم.
رابعاً وهذه أهم نقطة: سأوافقك جدلاً أن السعودية أم المشاكل في اليمن هي ولجنتها الخاصة. وبطريقة سحرية اغلقت اللجنة الخاصة أبوابها وتبخرت لكننا كما تفعل تحاشينا الخوض في فساد النخب اليمنية وانتهازيتها وقابليتها للتدخل واستقبال المال الخارجي، ستذهب هذه النخب إلى البحث عن لجنة خاصة جديدة وتأخذ المال وتعيث.
هل أدركت المشكلة الآن؟
ما زلت في أخذٍ ورد وتعليق وتعليق مضاد مع الأخ فهد سلطان. أخشى أن يقحمني الأخ فهد بالذهاب إلى فعل ما لا أريد، أو أفعل من حيث لا أؤيد، وهو الدفاع عن السعودية. فأنا لست بصدد فعل ذلك، وليست هذه مهمتي، ولم أنذر نفسي يومًا لهذا. السعودية لديها دولة وموارد مادية وبشرية وقادرة على الدفاع عن نفسها.
لكني معنيٌّ في المقام الأول بموضعة الهجوم على السعودية في سياق يمني، وبفهم مقدار تماهي هذا الهجوم مع عودة الحوثي إلى التحرش بالسعودية، وأندهش من تكامل هذا الإيقاع بين الحوثي وخصومه
ثانيًا، أنا معني أكثر بفهم المسار التاريخيّ للسياسة في اليمن من خلال تحليل ودراسة سلوك وعلاقات الفاعلين اليمنيين.
ثم إلى التفاصيل:
سنتفق أن أوجه الاختلاف الهيكلي بين اليمن والسعودية قد يكون سببًا في تعبئة موارد التدخل؛ بلدٌ جمهوري يذهب إلى تعددية سياسية وحزبية إلى جوار بلد ملكي. لكن هذه ليست مشكلة جوهرية؛ فالسعودية محاطة بجمهوريات عديدة من العراق مرورًا بسوريا وصولًا إلى مصر والسودان. ما وهو التدخل يكمن في الاصطفاف بين محاور نفوذ دولية
المبالغة في الحديث عن اللجنة الخاصة ودورها تُصوّر الأمر كما لو أن العالم هذا مكوّن من قارة ليس فيها إلا السعودية واليمن. بينما السعودية محاطة بدول أقدر على المنافسة وتقاسم النفوذ.
وليس ما يثير اهتمام السعودية باليمن إلا ضعفه وانكساره وعدم استقراره. وهذه حقيقة يجب أن نواجه بها اليمني بصدق.
أخطر ما في اليمن على السعودية ليس أن يكون قويًا، بل أن يكون ضعيفًا. دعونا من الكذب على أنفسنا بأن السعودية تخاف قوتنا، لذا لا تنام قريرة حتى تفتك بنا.
هذا هروب من مواجهة مشاكلنا وإخفاقاتنا. وإذا اتفقنا على هذه النقطة يمكن فهم دور السعودية ولجنتها الخاصة.
ثم إن اليمن كان مرتعاً لكل ذوي نفوذ. اليمنيون يعرفون ما فعلته روسيا السوفييتية في الجنوب لمدة تقارب ربع قرن، فهل فُتح هذا الملف؟
ويعرف ما تفعل بريطانيا وأمريكا في هذا البلد. ولا تنسوا إيران والإمارات وقطر وعمان إلى درجة تقسيم البلاد وزوال الهوية الوطنية.
إن طريقة الأخ فهد سلطان –وهي طريقة متكررة في سلوك اليمنيين ،عندما يصعب عليهم التفكير في شأنهم، فيذهبون إلى البحث عن خصم خارجي يمكن تحميله كل عيوبهم– تقوم على استدعاء ملف اللجنة الخاصة وفتحه جزئيًا بما يتناسب لا مع درسٍ أو فحص لهذه النقطة، بل مع تشكيل إدانة موجهة.
لقد فتح فهد سلطان الملف على نحو لا يعني الكشف الصحفي، بل يذهب إلى تحليل تاريخي ويقدم حججاً على جذور التدخل السعودي في الشأن اليمني، وبهذا عليه أن يتعامل أيضًا مع الشق الآخر من الملف، وهو اليمنيون.
اللغة الدرامية وتحميل الموقف أكثر مما يحتمل لمجرد التأويل ،الذي يناسب الطابع الشوكي والعقل التعذّري لدى اليمنيين لا يعني تقديم حقائق.
حشر اليمن في خرافة المواجهة مع السعودية امر يفتقر للحسن السياسي الناصح ،ولا يتوافق مع الاخلاق التاريخية.
هذا ما يمارسه الحوثيون بالحق وبالباطل ،وبالاخير يقضمون قرية وراء قرية يمنية ويسلبون عقلا يمنياً وراء آخر.
ولصالح إيران.
لا يستطيع المتأمل منا في المشهد إلا تهنئة الحوثي على خصومه القائمين على خدمته حيثما استداروا.
إن المسؤولية التاريخية مشتركة، ومسلكك هذا –وقد فعله غيرك– أولًا ينطوي على تهرب من تحميل اليمنيين مسؤوليتهم والوقوف عليها.
ثانيًا، يتضمن تغطية على أطراف يمنية ستغضب، لو ظهرت أسماؤها واتضح تعاملها مع المال الخارجي.
بدأت بالتأصيل التاريخي للجنة، وقفزت إلى نشاطها القريب باستخدام مذكرة تعود إلى العام 2011،
وبالطبع كانت قناة الجزيرة عبر موقعها قد فتحت الموضوع، وأفرطت في التأويل بأكثر مما يحتمل النص أحيانًا.
ليست المملكة العربية السعودية جمعية خيرية؛ هي دولة ذات مطامع ونفوذ وترى نفسها قوة إقليمية، وبالتالي تسعى إلى مصالحها وتحاول النفاذ من حيث أمكن، ليس في اليمن فحسب بل في كل دول العالم بلا استثناء.
وبما أن العالم يعيش في اعتماد متبادل، فإن كل حدث في بلد مجاور سيقود إلى تبعات. وهناك سياسة وقائية تفعلها كل الدول. الفرق هو مقدار التفاهم وحكمة الأنظمة في معالجة الأخطار.
استخدمت وثيقة وجعلتها مرتكزاً في حديثك، وهي القضية الجنوبية، وكانت مقترحات سياسية أكبر مما تحتمل لدرجة أنك أركبتها الواقع الذي تشكّل ليس على يد السعودية بل على يد دول أخرى.
ما هو مذكور في المذكرة –إن صحت– لا يخرج عن مقترح سياسي تفعله أي دولة ترى أن جارتها بصدد التشظي، وأنها قد تتحول إلى مشروع بيد خصمها الإقليمي.
هذا ليس تبريراً لتدخلات السعودية، لكن هذا هو المعمول به في عالم السياسة الخارجية.
أنا متأكد أن صالح كان يفعل مثل ذلك، بحسب إمكانياته، تجاه مشاكل في دول جوار القرن الإفريقي.
ثم إن المقترحات هي نفسها التي رست عليها المرحلة الانتقالية بالحرف الواحد، بل ذهب اليمنيون إلى ما هو أبعد من ذلك وبإشراف الأمم المتحدة، في لحظة ،كان الدور السعودي في اليمن في أقل مستوياته.
كان هادي لا يقرر خطوة واحدة إلا ورجع إلى وفود الاتحاد الأوروبي وأمريكا وبريطانيا، لأنه أدرا ظهره للسعودية كما تكشف بعض التصريحات والتسريبات.
فأين كانت اللجنة الخاصة القادرة على كل شيء؟
وبالنظر إلى نتيجة الحوار الوطني:
هل كانت هذه رغبات المملكة أم نتيجة لحوار سياسي، دخلت فيه كل الأطراف اليمنية، بما فيها الأكثر عداءً للسعودية وتبعيةً لإيران؟
وإذا كانت رغبات المملكة، فقد كذب علينا كل سياسيينا بلا استثناء. وعليك تناول هذا البعد أيضًا.
نصوصك تقول إن السعودية تتحكم بكل شاردة وواردة في اليمن، وهذا أمر لا تستطيع إثباته؛ لأنه غير ممكن ولا يستقيم لمجرد وجود لجنة خاصة أمنية وسياسية واستخباراتية. خصصت اربعة مليون لغرض ما فما هي الأربعة مليون دولار في عالم اليوم.
في العلاقات الدولية، كل طرف يريد، وكل طرف يسعى إلى تنفيذ ما يريد، ولكن هناك موانع طبيعية تحد من سياسة أي دولة في دولة أخرى.
بل إن النظام السياسي لا يستطيع تنفيذ كل ما يريده حرفيًا داخل بلاده، حيث يملك كامل الشرعية في تنفيذ السياسات.
لذا لا داعي للمبالغة في دور اللجنة الخاصة. الأصح أن نضع دورها في إطار ما هو معقول، ونقيسه بسلوك اليمنيين من ناحية، وبطبيعة تفاعل اليمنيين مع القوى الأخرى من ناحية ثانية.
ثانيًا، إن الواقع ينفي ما تقول به.
فلو كانت السعودية بهذه القدرة على التحكم بالمشهد اليمني لما ذهبت الأمور إلى هذا الانقسام، ولما تعاظمت قوة الحوثي المهدد لأمن المنطقة والعالم، والذي شرّد كل القوى السياسية وتحكم بمقدرات اليمن.
واين تمدد الحوثي ؟
في المناطق التي كانت مرتعا للنفوذ السعودي ومالها.
يا لها من مفارقة !
فأين هي قدرة السعودية ونفوذها وتحكمها؟
اتريد ان تقول ان الحوثي هو صناعة سعودية.
لا يستطيع عاقل تصديق أن الحوثي هو صناعة سعودية بامتياز.
أشرتَ في ردك الأخير إلى أفغانستان وهروب أمريكا وصعود طالبان، وهذا قياس باطل بين سياسة خارجية ناعمة واحتلال عسكري.
يؤسفني –بعد أن عدت إلى ما كتبته قناة الجزيرة، ويبدو أنها كانت تكتب عندما كان لها هامش في مناوشة السعودية إعلاميًا، والآن فقدت الهامش– أن أجد أنها تقول إن السعودية عملت ليصل اليمن إلى ما وصل إليه، وتقصد 2011 وما تلاه.
وحسب علمي أنت من ثوار فبراير، وخرجت إلى الساحة، وكان لديك قناعات وراء خروجك والمطالبة برحيل صالح، لا لأنه طيع للسعودية –هذا كان كلام قوى اليسار الذي تقوله بـ"هواجة"– ولكن لأسباب أخرى: الفشل في إدارة البلد، اتساع رقعة الفقر، التوريث السياسي، وسوء الحكم.
المبالغة في تقييم دور السعودية بتعسف السياقات واجتزاء المواقف، واختلاق قدرة سياسية خارقة لدولة "س" على دولة "ص"، غير صحيح أولًا لأن اليمن مفتوح على العالم، ويتعامل مع كل الدول، ولديه تواصلات مباشرة مع قوى إقليمية ودولية.
إليك صورة عن طبيعة العلاقة التي يقيمها بلد، وكيف يستطيع –إذا أراد– أن يخلق له مجالات تفاعل تؤكد سيادته من ناحية، وتسمح له باقتناص الفرص أو أحيانًا الاستلاب. وتعدد أشكال النفوذ الخارجية دليل على قابلية مخزية لاستجلاب التدخل الخارجي.
في آخر عشرية من حكم صالح قدم صالح ميناء عدن للإمارات (للاستثمار الذي لم يتم)، ودخل في انفتاحات وتعاون مع تركيا يصل إلى فتح البلدين أمام التبادل التجاري والمسافرين بلا فيزا، ونسج صلات مع قطر تصل إلى استلام طائرة رئاسية هدية ، وعلاقات مع سلطنة عمان أثمرت بتوقيع اتفاق حدودي (قبيلة وكرم)، واتفاقات وتعاون مع مصر تمنح المصريين الاصطياد في الأراضي اليمنية بلا مقابل ولا رقيب، وفتح أجواء البلاد عسكريًا لأمريكا لتصبح اليمن أرض تجارب الطيران المسير الأمريكي لاصطياد رؤوس القاعدة.
أقصد: كان يملك صالح هامش مناور كبير يدل أن البلاد تسير من رأسها، وليس بمشورة اللجنة الخاصة أو النخب التابعة لها.
وقبل هذا كانت الشركات النفطية الدولية تنقب وتستخرج النفط دون إذن سعودي.
ثانيًا، إثارة اللجنة الخاصة بحبكة درامية وتهويل في هذا التوقيت، الذي أصبحت فيه البلاد مرتعًا لكل الدول الإقليمية ذات المطامع والقدرة، لا يخدم اليمنيين ولا يساعدهم في الحفاظ على وطنهم وسيادته. بل يعزز سردية الحوثي، ويفقد الناس الثقة بالنخبة التي تتخذ من كل شيء سهمًا أعمى في معركة غير جوهرية.
لم تكن السعودية ترغب في الوحدة، ودعمت الانفصال، لكن الوحدة وقعت.
لنفرض أن السعودية لم تكن تريد لليمن استخراج النفط، ومع هذا وقع استخراج وبيع النفط والغاز.
في المحصلة، عليك أن تخبر قراءك بحدود هذا التدخل، وما هي الفرص التي فقدها اليمن سواء اقتصاديًا أو سياسيًا.
ربما أنت معنيٌّ باحترام عقول قرائك وتقديم خطاب أكثر متانة ومربوط بسياق صحيح بدل التكرار والتعسف.