"جوهرة".. من رمال عدن إلى واحة خضراء وفرص أمل للنازحات
الأخبار المحلية
في قلب العاصمة المؤقتة عدن، وتحديدًا في منطقة بئر فضل، سطعت قصة "جوهرة القعيطي" -62 عامًا - التي حوّلت أرضًا قاحلة إلى مشروع زراعي استثنائي، لم يكتفِ بمكافحة التصحر، بل أصبح مصدر رزق وأمل لعشرات النساء النازحات.
بدأت جوهرة رحلتها في عام 2017، عندما قررت استصلاح قطعة أرض رملية تبلغ مساحتها 7 أفدنة.
"كانت أرضًا صحراوية، التربة مالحة، تعلوها طبقات مغطاة بالرمال والأحجار. جرفنا التربة السطحية وعززناها بتربة طينية أحضرناها من محافظة لحج، ثم أضفنا السماد العضوي وزرعنا محصول الجُلجل (السمسم) كبداية،" تقول جوهرة.
وبالفعل، بدأت المزرعة أولى خطواتها التجارية بنجاح. تقول: "بدأنا باستخلاص زيت السمسم وتسويقه كأول منتج، ومن ثم قمنا بزراعة أصناف أخرى، منها الأعلاف والطماطم والفلفل الحار، بالإضافة إلى أشجار الليمون والبلس."
جهود فردية في مواجهة أزمة التصحر
يُعد مشروع "جوهرة" نموذجًا حيًا لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية في آن واحد. ففي بلد يُعاني من الجفاف والتصحر الذي يهدد 97% من أراضيه الزراعية، وفقًا لدراسة صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. تؤكد مبادرة "جوهرة" أن الإرادة الفردية يمكن أن تكون حلًا ناجعًا.
وبحسب الدراسة، فإن تدهور الأراضي في اليمن قضية معقدة تتداخل فيها الممارسات الزراعية غير المستدامة، وتقلبات تغير المناخ، وندرة المياه إضافة إلى دورات الجفاف والفيضانات المرتبطة بالصراع والهجرة. كل هذه العوامل تؤكد أهمية المبادرات الفردية كمحفز للتغيير الإيجابي.
وعلى الرغم من كل هذه التحديات، برز مشروع "جوهرة" كجهد إيجابي وملموس في مكافحة التصحر، حيث نجحت في تحويل مساحة 29 ألف متر مربع من أرض صحراوية إلى منطقة زراعية خصبة.
يشير أستاذ البيئة وتخطيط الموارد الطبيعية في جامعة تعز، الدكتور أنور الشاذلي، إلى أن مشروع "جوهرة" يُعد نموذجًا استثنائيًا وناجحًا لمكافحة التصحر في اليمن.
وأوضح الشاذلي أن التصحر شهد ارتفاعًا ملحوظًا خلال العقد الأخير، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى الاحتطاب الجائر وتراجع معدلات هطول الأمطار.
وأكد أن مواجهة هذه المشكلة تتطلب استصلاح الأراضي المهددة بالتصحر وتحويلها إلى مساحات زراعية، على غرار ما قامت به "جوهرة".
ودعا الشاذلي في ختام حديثه، إلى ضرورة ترسيخ ثقافة استصلاح الأراضي لدى أفراد المجتمع، مطالبًا المنظمات والجهات الحكومية المختصة بتقديم الدعم الكامل للمشاريع المماثلة، معتبرًا إياها حلًا فاعلًا وناجعًا للتصدي لهذه المعضلة البيئية.
فرص عمل للنساء النازحات
لم يقتصر نجاح "جوهرة" على تحويل الصحراء إلى جنة خضراء تزخر بالأعلاف والخضروات والفواكه، بل امتد تأثيره الإيجابي ليشمل المجتمع، حيث وفرت فرص عمل لـ18 نازحة من محافظة الحديدة، كانت الحرب قد أجبرتهن على النزوح.
إحدى هؤلاء النساء، عائشة عمر، تروي كيف ساعدها العمل في المزرعة على تأمين معيشة أطفالها الخمسة، مقابل أجر يومي ونسبة من أرباح المحصول، مؤكدة أن هذا العمل أعاد إليها الأمل والكرامة.
تقول: لدي خمسة أبناء، وكان عليَّ الحصول على عمل بعد نزوحي من منطقة الجراحي بمحافظة الحديدة إلى مدينة عدن. قبل سنتين، ذهبتُ إلى المزرعة وبعد لقائي بالسيدة جوهرة، بدأتُ العمل هنا.
تواصل عائشة: أغرس البذور، وأتابع السقي، وأحصد الأعلاف وأجني الثمار مقابل أجر يومي يبلغ 4 آلاف ريال، بالإضافة إلى حصولي على نسبة من ثمن المحصول الذي أبيعه في السوق لقاء مشاركتي في زراعته.
وتضيف: العمل هنا يساعدني في تأمين معيشتي ومعيشة أطفالي.
تحديات وصمود
لم يكن الطريق مفروشًا بالورود أمام "جوهرة" عند تأسيس مشروعها؛ إذ واجهت السيدة الستينية جملة من التحديات. لم تثنها عن مواصلة العمل في مشروعها.
تتحدث عن الصعوبات قائلة: "لقد تعرّضت أرض المشروع لعمليات بسط من قبل مسلحين، كما تعرضت أنا وأبنائي للتهديد والضرب على إثر ذلك، لكنني لجأت إلى القضاء وتم إنصافي هناك."
وتضيف: "نعاني من شحّ المياه والجفاف، لكني حفرت بئرًا لمواجهة هذه المشكلة."
يُظهر هذا المشروع قدرة المرأة اليمنية على تحويل التحديات إلى فرص، فهو لا يساهم فقط في تأمين احتياجات "جوهرة" والنازحات المالية ومكافحة التصحر، بل يقدم نموذجًا فريدًا يجسد الإصرار والصمود في وجه الظروف القاسية.
واجهت جوهرة في رحلتها تحديات جمة، من محاولات البسط على أرضها والتهديدات المسلحة، إلى شح المياه، لكن صمودها وإيمانها بقضيتها جعلها تتغلب على كل الصعاب، لتقدم نموذجًا ملهمًا لقوة المرأة اليمنية وقدرتها على الصمود وتحويل التحديات إلى فرص.