السيدة شمس" طبيبة ترمّم الابتسامات وفنانة تحيك الإبداع
الأخبار المحلية
في عالمٍ يبدو فيه الجمع بين مجاليّ الفن والطب في ظرفنا الحاليّ ضربًا من المستحيل، تبرز قصة امرأة استثنائية استطاعت بالحب أن تنسج حكاية إبداع فريدة.
مروة علوي واحدة من النساء القلائل اللاتي نهجن نهج حياةٍ مختلف مميز وفريد، لتكن قدوة يحتذى بها بين اقرانها من الاطباء والفنانين على حد سواء.
تقول علوي في حديثها لمنصة هودج إنها ومنذ طفولتي كانت تكتب القصص في دفتر صغير وترسم معها رسومات بسيطة. لم تكن تعلم أن هذا الشغف سيبقى معها حتى الكِبر. وبرغم اختيارها لتخصص طب الأسنان، إلا أن هذا الدفتر وما يحمله من خيال مخبأً داخلها كسرّ ثمين.
بعد التخرج، وجدت مروة نفسها وسط عالم صعب مليء بالألم والمعاناة نتاج مهنتها وظروف المدينة الصعبة
توضح مروة: "الطب مهنة جميلة لكنها مرهقة. كنت أعود إلى منزلي وأشعر بحاجة إلى متنفس. هناك أتحول إلى شخصية أخرى. فنانة تمسك الألوان، وصانعة دُمى تُعيد رسم ملامح الحياة على وجوه صغيرة من القماش. كانت هذه هواية، لكنها كانت أيضًا علاجي النفسي".
الربط بين الطب والفن
في عيادتها، قالت مروة إنها لا تكتفي بمعالجة الأسنان. بل تحاول أن تكون قريبة من مرضاها، تشاركهم ابتسامة، تقص على طفل خائف حكاية صغيرة. وفي المقابل، حين تعود إلى مرسمها أو ورشتها، تترجم تجاربها في مجال عملها إلى قصص، وتتحول إلى دُمى تحمل وجوهًا تحكي للأطفال عن الأمل والقناعة.
في أعقاب جائحة كورونا، وفي لحظة شخصية صعبة تزامنت مع فقدان جدّها الذي كانت تكنّ له محبةً كبيرة، وجدت مروة نفسها أمام فراغ روحي ثقيل، وانطفاء داخلي لم تعتده. في تلك المرحلة، لم يكن الفن ترفًا، بل ضرورة.
"كنت في حاجة ماسة للانشغال، للهروب من الحزن، والإمساك بطرف خيط يعيدني إلى ذاتي"، تقول مروة.
وتضيف: "وجدت في ورشة الكوميكس التي قدمتها مؤسسة “جدارية” متنفسًا أوليًا، ونقطة تحوّل. كانت تلك مشاركتي الأولى في ورشة فنية جماعية بعد الأزمة، وهناك بدأت استعيد شغفي تدريجيًا، واكتشفت كيف يمكن للفن أن يكون وسيلة للتعبير عن الألم لا الهروب منه فقط".
في تلك الورشة، لم تكتفِ مروة بالرسم، بل بدأت في تحويل المشاعر المركّبة إلى حكايات مصوّرة، جمعت فيها بين الخيال والواقع، الحنين والأمل. كانت خطوة أولى نحو انطلاقتها الأوسع في عالم القصة المصوّرة، والدُمى، وأدب الطفل بين “المعقول” و”الشغف” اختارت السيدة شمس أن تخوض غمار التحدي.
وتابعت علوي: "لم أرَ الطب قيدًا على هوايتي، بل مصدر إلهام. الألم الذي أراه يوميًا يدفعني للهروب إلى عالم أجمل مليء بالألوان والقصص. الكتابة بالنسبة لي وسيلة للبقاء، ولزرع القيم في قلوب الأطفال"
أدب الطفل
يتميز فن شمس بكونه أكثر من مجرد حكايات للأطفال، فهي تحمل فهماً نفسياً لعالم الطفولة ولغة مشبعة بالحب والخيال، فيما تتحول دُماها من ألعاب جميلة إلى شخصيات تنبض بالحياة وتكمل قصصها في مزيج متكامل يجمع بين المقروء والملموس. وعن قدرتها على الجمع بين الطب والفن تقول: "أعتقد ذلك. استطعت أن أختار الاثنين معًا: أن أكون طبيبة، ورسامة، وصانعة دُمى، وكاتبة لأدب الطفل. وهذا بحد ذاته أصبح مصدر إلهام لي ولغيري بشكل لم أتصوره".
وقدمت شمس عدداً من الأعمال البارزة، منها: مجموعة «البيت وحكايات أخرى» (2024) التي تناولت مفاهيم الانتماء والأسرة والأمان، وقصة «الفتى يريد» الفائزة بمنحة معهد غوته في يناير 2025، ومبادرة «الورشة القصصية للأطفال» في يونيو 2025، التي جمعت بين الحكاية والرسم في تجربة تفاعلية. وتطمح شمس إلى تحويل شغفها إلى مصدر دخل إضافي يمكّنها من إنتاج المزيد من الكتب والدمى وإيصال رسالتها إلى أكبر عدد من الأطفال، لتظل توليفة نادرة تجمع بين الطب والأدب وصناعة الدمى، وتقدم صورة لامرأة بثلاث قلوب، كل واحد منها ينبض بالحياة والشغف.