هيفاء بلح.. من طبيبة في الحديدة إلى ملاك للنازحين

الأخبار المحلية
محيي الدين الشوتري +

قبل سبع سنوات، وحينما كانت مدينة الحديدة غربي البلاد تشتغل بالنيران جراء المواجهات العسكرية، لم يكن ثمة خيار أمام هيفاء بلح - 34عاما- وتعمل في القطاع الصحي سوى مغادرة مسقط رأسها نحو مكان آمن يقيها من الخوف الذي كان يحيط بها وبأسرته.

برفقة زوجها وطفليها غادرت هيفاء بلح ديارها ولم يكن بحوزتها آنذاك سوى عشرة ألف ريال يمني، كانت السكة الوحيدة التي تؤمل بها العبور نحو محافظة لحج، حيث يقع المخيم الذي تقطن فيه، متحدية الظروف العصيبة التي جابهتها قبل وأثناء الوصول والعيش في هذا المخيم.

رحلتها إلى مخيم النزوح في لحج لم تكن سهلة، تحملت هيفاء قسوة الظروف، واضطرت لبيع أغراضها المنزلية وحتى حليب طفلها لتأمين قيمة المواصلات، "كانت رحلة قاسية جدًا"، تقول هيفاء، التي سكنت في البداية عند أحد المعارف، قبل أن تحصل على مسكن غير مكتمل البناء.

الحياة في المخيم

لم يكن اندماجها في مجتمع المخيم بالأمر اليسير، واجهت هيفاء في البداية نظرات الشك، لكنها أصرت على الاندماج وأثبتت أنها هنا لخدمة الجميع. "في أول الأمر، كان الكثيرون لا يتقبلونني، وينظرون إليّ كمن تسعى وراء مكاسب مادية"، تضيف: لكن مع مرور الوقت، تغيرت النظرة، وأصبحت أفكارها ومقترحاتها موضع تقدير.

لم تكتفِ هيفاء بخدمة النازحين في تنسيق الاحتياجات، بل استغلت مهنتها كمساعدة طبية لتقديم الخدمات الطبية المجانية. كانت تجري المعاينات، وتقدم الإسعافات الأولية، وتضمّد الجروح، لتصبح ملاكًا للمرضى في المخيم.

وبفضل مبادراتها، استطاعت التواصل مع عدد من المنظمات والجهات الداعمة وفاعلي الخير والرفع باحتياجات المخيم وتنظيم وترتيب المخيم أثناء نزول أي جهة إليه وتمكنت بفعل المتابعة من توفير بعض احتياجات النازحين في المخيم..

الصعوبات

وفي طريقها، واجهت هيفاء العديد من المصاعب. تستذكر تعرضها للاستغلال من قبل مدير أحد المراكز الذي استغل حاجتها للعمل مستكثرا عليها الحصول على أجرها المستحق، كما تعرضت للسرقة وفُصلت من عملها. لكن كل ذلك لم يثنِ عزيمتها عن مواصلة الكفاح وتلبية نداء الواجب الإنساني.

وعلى الرغم من كل الصعاب، تستمر هيفاء في كفاحها من أجل لقمة العيش الكريم. تعمل أحيانًا في صناعة المعجنات، وتارة أخرى في مركز صحي براتب زهيد لا يتجاوز 18 ألف ريال. رحلتها في النزوح رحلة شاقة، لكن إصرارها على الاعتماد على الذات لم يتوقف أبدًا.
أثر مبادراتها
يمتدح محمد فتيني - أحد ساكني المخيم - هيفاء بلح، حيث يقول: عنها جعلت المخيم وهمومه شغلها الشاغل، فهي طواعية تنتقل من جهة إلى أخرى بحثًا عن احتياجات المخيم على الرغم مما تلاقيه في بعض الأوقات من عدم الاستجابة لمطالبها والتضييق عليها، لكنها لا تكل ولا تمل حتى تحقق ما يحتاجه المخيم.
ويضيف: بإصرارها وسعيها وبقربها من المخيم جعلها مرجعية لساكني المخيم، كما أنها استغلت مهنتها الطبية في المخيم لتقديم الخدمات الطبية المجانية والاسعافات الأولية لسكان المخيم وفي أي وقت تطلبها لتقديم الخدمة الطبية لا تشعر بالملل وهذا جعلها قريبة لساكني المخيم.

الدعم الأسري

ترجع هيفاء الفضل لوالدها ووالدتها وبنتها الذين وقفوا معها في كل محطة واجهتها طيلة كفاحها، والتي قالت إنها كادت تحبطها وتكسر طموحها وتوقفها عن عملها الإنساني.

وأشارت إلى أن والديها لم يبخلا عن دعمها ماديًا ومعنويًا عند كل عقبة تعترض سير طريقها، ولهذا ترى أن لولا وقوف والديها وابنتها التي كانت تشد من عزيمتها عند تعرضها لبعض الضغوطات أو العقبات لما استمرت في أعمالها الإنسانية.

قصة هيفاء بلح وغيرها من آلاف اليمنيين واليمنيات الذي شردتهم الحرب، وقست عليهم ظروف الحياة، وأصبحوا بين ليلة وضحها مسؤولين عن توفير لقمة العيش الكريمة.

يثبتوا اليوم أن المعاناة لم تكن يوماً سبباً في التوقف، بل دافعاً للاستمرار في الكفاح، هيفاء امرأة حوّلت محنتها إلى منحة، ووجعها إلى عمل إنساني، لتؤكد أن الإنسان هو أغلى ما يملك، وأن العطاء هو أعظم استثمار.
تم إنتاج هذه المادة في منصة هودج

المصدر: منصة هودج
زر الذهاب إلى الأعلى