أنغام عدنان: مسيرة ناجحة بين الفن والثقافة والرقمنة
الأخبار المحلية
تبرز في كل مجال نساء طموحات يسعين بشغف لتحقيق أحلامهن المرتبطة بهويتهن. أنغام عدنان، ولسنوات من العمل الثقافي، تمسكت بحلم أرشفة ورقمنة الموروث الثقافي العدني. وقد ساعدتها خبرتها ككاتبة فنية، وإدارتها لمشاريع ثقافية، ودراستها التي تمحورت حول التقاطعات الثلاثة: الفن والثقافة والخدمات الرقمية، في تحقيق ذلك.
رحلة الرقمنة الثقافية
قالت أنغام عدنان، مديرة مؤسسة “ديجيتايز”، إن جذور المؤسسة كانت في جهود استكشافية سابقة في مجال القصص المصورة، ثم تجسدت عندما شاركت في ورشة نظّمتها وكالة “سمبس” ضمن مشروع اليونسكو لتوظيف الشباب في التراث والثقافة، فكان التدريب نقطة التقاء بين رؤيتها المؤسسية وطموحها، وانطلقت منها المؤسسة فعليًا.
وأضافت: «قبل ذلك، كنت طالبة ماجستير وأعمل سكرتيرة تحرير في مجلة “فن وتراث”، وعانيت نقصًا في الوصول إلى الكتب، فخطر لي أن المجلات الرقمية يمكن أن تصل من أي مكان. ولطالما تساءلت لماذا لا نعتمد أسلوبًا منهجيًا وأكاديميًا في ذلك، خاصة بعد مشاركتي في مبادرة “مرش” التي كانت تركز فقط على أرشفة المحتوى الإعلامي. ومع البحث عن موارد محلية، واجهت عقبات كثيرة، فقررت أن أتقدّم خطوة بخطوة نحو تأسيس المؤسسة».
دمج أنغام بين الفن والثقافة والتكنولوجيا كان جزءًا أساسيًا من رؤيتها لمؤسستها، تقول: كل عملي كان رقميًا، سواء من ناحية البرمجة أو من معرفة في الهاردوير والسوفتوير، وأرادت أن يكون هذا الدمج محور المؤسسة. تضيف أن حادثة صغيرة أثرت فيها كثيرًا: في ورشة رسم، انسكب الماء على اللوحة الورقية، فاضطُرّ الرسام لإعادة العمل من الصفر، بينما رسّامو الرقمنة كانوا قادرين يحرّرون الأخطاء بسهولة دون خسارة العمل كله. من هذه الزاوية فكّرت أن التجربة الرقمية يجب أن تُشجّع وتُعمّم.
بداية الرقمنة من خلال "ولا كلمة"
لم تتخلَّ أنغام عن فكرة استخدام التكنولوجيا في الفن والثقافة، فبحثت فرصًا فردية لتطبيق فكرتها قبل تأسيس مؤسستها الخاصة للأرشفة الرقمية للفن والموروث الثقافي.
من أول مشاريعها الرقمية، حصلت على منحة من مراكز الإبداع اليمنية لمشروعها "ولا كلمة"، بالتعاون مع فريق من ورشة "حكاية". رغم التردد من البعض في استخدام الرسم الرقمي، شجّعتهم وتحملت كل المخاطر، فقدم الفريق عملاً رائعًا: رسومات قصصية معبرة ومناسبة لأفكارهم.
التغلب على التحديات
ادركت أنغام أن هناك قصور في الجانب المحلي وأنها كفرد لن تستطيع تحقيق
الكثير وحدها، لكن استمرت الفكرة في التطور ومن ثم شاركت في مشروع ساند بوكس ولكن كان هنالك فرق بين التأسيس كمؤسسة تجارية او مؤسسة غير ربحية واستمرت في تطوير الفكرة مع اصدقائها الآخرين كفريق فكروا في فتح مكتب تجاري ولكن لم يتوفقوا في ذلك لأنه يختلف تماما عن الهدف والطموح الذين يسعون اليه، فقررت الاستمرار كأفراد ولكن منظمين حيث قررت العمل من خلال مبادرة.
وقالت أنغام:" تمسكت في حلمي و استمريت بالبحث عن فرص حتى عدنا مجددا للمشاركة في مشروع اليونسكو للمرة الثانية ومن ضمن الدعم الذي تحصلنا عليه هو انهم كانوا اشبه بوسطاء لنا حتى نكمل الاجراءات لاستخراج تصريح المؤسسة وبكذا أخيرا في أغسطس الماضي تحولت من مجرد متدربة في نفس المشروع إلى مالكه لمؤسسة مع حلول نسخة المشروع الثانية".
أعلنت أنغام عن مؤسسة “ديجيتايز” رسميًا في أغسطس 2025، بعد أن استكملت إجراءات التصريح، لكنها كانت تعمل منذ 2023؛ أول ظهور لها كان في فعالية “الرسم وأهله”، حيث ناقشت كيف يتحول المسار الفني إلى مهني ومصدر دخل.
لاحقًا أقامت المؤسسة “الملتقى الرقمي” بميزانية صفر، بالاعتماد على الشراكات والعلاقات مع المنظمين والمصورين والمكان. وكان لديها أربعة شركاء: منظمة 3 تراكس، ونادي رجال الأعمال، ومبادرة هيبات، ومركز سيئون الإبداعي، مع مشاركات من داخل اليمن وخارجها.
كما أنتجت مؤقتًا مجلة “سكاكر” قبل حصولها على التصريح، لكن الفريق العامل كان كله من ديجيتايز، فاعتُبرت المجلة جزءًا من نشاط المؤسسة.
أعلنت أنغام عدنان، مديرة مؤسسة "ديجيتايز"، عن أول مشاريعها الرسمية بعنوان "نساء"، وهو مشروع تعاقدت عليه المؤسسة مع معهد جوته عبر مراكز الإبداع اليمنية. يُركّز المشروع على دمج ثلاثة مجالات: الثقافة، الرقمنة، والبيئة، إيمانًا من المؤسسة بأهمية هذا التداخل في تعزيز الفنون الرقمية.
بالإضافة إلى ذلك، تُخطط المؤسسة لتنفيذ مشروع قريب حول تقاطعات الفنون الرقمية مع مجالات متنوعة، بالشراكة مع مؤسسة "عدن أجين". يهدف المشروع إلى تنظيم فعاليات تعرض تجارب الفنانين والمبدعين في هذا المجال، مع طموح إقامة ما بين خمس إلى عشر فعاليات. تسعى "ديجيتايز" إلى توسيع نطاق عملها خارج عدن من خلال إقامة شراكات مع مؤسسات في مناطق أخرى.
وتُعتبر مؤسسة "ديجيتايز" فريدة من نوعها في مجال جمع التراث الثقافي ميدانيًا ورقمنته بشكل مستمر، بينما تقتصر جهود المؤسسات الأخرى على مشاريع محدودة وعابرة. تؤكد أنغام عدنان على أهمية بناء قدرات الفنانين المحليين في هذا المجال، مشيرة إلى ضعف المؤسسات التي تُعنى ببناء القدرات في اليمن مقارنةً بالكفاءات المتاحة خارجها. تهدف المؤسسة إلى تمكين الفنانين من المشاركة في جمع التراث الثقافي، حتى وإن كانت مشاركتهم محدودة، دون الحاجة لأن يكونوا باحثين متخصصين، وذلك للمساهمة في الحفاظ على الموروث الثقافي وتسهيل الوصول إليه.
تُعد هذه المبادرات جزءًا من رؤية "ديجيتايز" لتطوير المشهد الثقافي والفني في اليمن، من خلال دمج التكنولوجيا بالفن والتراث، وتوسيع نطاق تأثيرها ليشمل مختلف المناطق والمؤسسات.
اهمية التكنولوجيا في الحفاظ على الموروث الثقافي
تشدد أنغام عدنان على أهمية توظيف التكنولوجيا في حفظ الموروث الثقافي، وهو ما دفعها لتأسيس مؤسسة "ديجيتايز"، مؤكدة أن الرقمنة تتيح حفظ التراث بطريقة أكثر وضوحًا وانتشارًا.
تقول عدنان: "استخدام الأدوات الرقمية كالحواسيب والهواتف يسهم في توثيق القصص الشعبية واللهجات المحلية بدقة، وهو ما يساعد الأجيال الجديدة على التعرف على لهجات ومظاهر الحياة القديمة في عدن خلال الستينات والسبعينات، والتي تفتقر اليوم إلى أرشيف رقمي يوثقها".
كما أكدت أن الحرب جعلت الثقافة خارج دائرة الأولويات، لكنها ترى أن الثقافة تظل أساس الهوية والإنسان، ومن هنا انطلقت فكرتها في تأسيس "ديجيتايز" لتعويض هذا الغياب.
التغيير المنشود
حقّقت أنغام عدنان نجاحًا مبكرًا في إطلاق مؤسستها "ديجيتايز" بعد خبرة فردية، وتطمح من خلال هذه المؤسسة إلى رقمنة الموروث الثقافي خصوصاً في ظل الظروف التي تقصّر الزمن وتهمّش الثقافة. تقول إن حلمها هو أن تساعد حتى فنانًا واحدًا أو فنانة يتعلم مهارة رقمية يدويها للعمل الفني الذي يحبه، ليحقق تمكينًا اقتصاديًا من خلال الفن، وتشجيعه على استخدام التكنولوجيا بشكل إبداعي لإنتاج معرفة حرة ومفتوحة. وتضيف أن كثيرين يضطرون لترك فنهم بسبب صعوبة المعيشة، وتريد أن تكون مؤسستها سببًا في أن لا يضطر أحد لذلك، ولو لشخص واحد.