باحثة بمعهد واشنطن تحذر من مسار تصادمي بين السعودية والإمارات في اليمن

الأخبار المحلية
متابعات+

‏قالت أبريل لونغلي في معهد واشنطن وهي ومستشارة سياسية أولى سابقة لمبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن (2020–2024) أن الوضع في اليمن يشهد تحوّلًا دراماتيكيًا هذا الشهر، عندما سيطرت قوات انفصالية جنوبية متحالفة مع دولة الإمارات على محافظتين كبيرتين، تُشكّلان نحو نصف مساحة البلاد بسرعة ;وهما إقليم حضرموت النفطي، المتاخم للسعودية، ومحافظة المهرة، المحاذية لسلطنة عُمان.

وأكدت الباحثة أن هذه الحملة كنحت  المجلس الانتقالي الجنوبي — الذي ظلّ جزءاً غير مريح من الحكومة المعترف بها دوليًا على مدى ثلاثة أعوام — سيطرة فعلية على معظم أراضي «جنوب اليمن» السابق، الذي كان دولة مستقلة قبل عام 1990، كما قرّبت الجماعة خطوة إضافية من هدفها المتمثل في الاستقلال.

وحسب تحليلها فإن هذا التطور شأنًا داخليًا بحتًا، لكنه ليس كذلك، فالسعودية تنظر إلى حدودها الممتدة لمسافة 425 ميلًا، وإلى الروابط الثقافية العميقة التي تجمعها بحضرموت، بوصفها عناصر أساسية في أمنها القومي، بينما تنظر عُمان إلى المهرة بالمنظور نفسه.

وتطالب الرياض الآن بانسحاب القوات المدعومة إماراتياً، غير أن المجلس الانتقالي الجنوبي يرفض الامتثال، وينذر هذا الجمود بنسف الهدنة الهشة المستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف، وبإعادة إشعال حرب غالباً ما صبّت في مصلحة الحوثيين المدعومين من إيران، كما قد يؤدي هذا الأمر إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين حليفين رئيسيين للولايات المتحدة، هما السعودية والإمارات، اللتين تشهد علاقتهما أصلًا خلافات حادة في السودان.

ويعرض التقرير نتائج استيلاء  قوات موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي في الثالث من ديسمبر، على منشآت عسكرية ومبانٍ حكومية ومرافق نفطية في وسط وشمال حضرموت، كانت خاضعة لقوات قبلية وعسكرية يمنية متحالفة مع السعودية، وبسطت هذه القوات خلال أيام قليلة، سيطرتها على معظم حضرموت، وتقدمت إلى المهرة، ورفعت أعلامها عند الحدود العُمانية.

وقد فاجأت سرعة السيطرة معظم المراقبين، بل دفعت إلى تكهنات بأن السعوديين والإماراتيين توصلوا إلى تفاهم يقضي بتسليم تلك المنطقة بأكملها للمجلس الانتقالي الجنوبي.

وبناء على ما ذكرته الباحثة لم يُصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، أي بيانات علنية خلال الهجوم، كما لم يأمر قيادة المنطقة العسكرية الأولى التابعة للحكومة في حضرموت بالتصدي، بل إن معظم الوحدات الحكومية سلّمت معسكراتها دون قتال، في حين تلاشت إلى حد كبير قوات «درع الوطن» المدرّبة سعوديًا.

ومع انقشاع غبار المعارك، تبيّن أنه لا يوجد اتفاق بين الرياض وأبوظبي، فيما أدان العليمي، متأخرًا، عملية السيطرة واصفًا إياها بأنها خطوة أحادية خطِرة تقوّض الحكومة الشرعية.

واصلت الرياض مطالبها العلنية بالانسحاب الكامل من المحافظتين، فيما أقرّ مسؤولون إماراتيون، على نحو غير معلن، بالحاجة إلى خفض التصعيد، وأوفدت الدولتان وفدًا مشتركًا إلى العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية في عدن سعيًا إلى تسوية.

لكن على الأرض، ما زالت التوترات في تصاعد، فقد حشدت السعودية قوات من «درع الوطن» وقوات الطوارئ اليمنية على طول الجبهة الشمالية، وأمّنت عقدتين حيويتين هما منفذ الوديعة الحدودي، وتقاطع العبر إلى الجنوب منه، وكلاهما بالغ الأهمية لإمداد جبهة مأرب الحيوية في مواجهة قوات الحوثيين غربًا.

وذكرت صحيفة الغارديان أن الرياض هدّدت بشن ضربات جوية على مواقع المجلس الانتقالي الجنوبي، كما أخلت المملكة ما تبقى من قواتها العسكرية في عدن، في إشارة إلى مسعى لعزل المجلس الانتقالي. (يُذكر أن العليمي وبعض أعضاء مجلس القيادة يقيمون أصلًا في الرياض، فيما لا يزال الأعضاء الجنوبيون فقط يعملون من عدن).

وردًا على الخطوات السعودية، لم يكتفِ المجلس الانتقالي الجنوبي بالسعي إلى ترسيخ سيطرته على حضرموت، بل أطلق أيضًا حملة جديدة في محافظة أبين المجاورة، في إطار ما يعلنه من مسعى لـ«مكافحة التهديدات المتطرفة» و«تعزيز الأمن والاستقرار في المناطق الجنوبية».

وأعلنت عدة وزارات وهيئات حكومية في عدن في 21 ديسمبر، دعمها لتوسّع المجلس الانتقالي الجنوبي و«تطلعات أبناء الجنوب».

تقول الباحثة أنه عند النظر إلى الأمر بأثر رجعي، لا ينبغي أن تبدو أيٌّ من هذه التطورات مفاجِئة كثيرًا، إذ إنها متجذّرة بوضوح في ديناميات محلية طويلة الأمد، فقد كان التحكم في حضرموت سابقًا منقسمًا بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على الساحل، وقوات متحالفة مع السعودية في الوادي (مناطق الصحراء الداخلية).

هذا الانقسام  الجغرافي حسب تفسيرها  له جذور تاريخية، لكن المنطقة حافظت أيضًا على هوية حضرمية جامعة قوية تدعم الحكم الذاتي المحلي، لمجتمعات الساحل والوادي معًا — سواء ضمن يمن موحّد أو كجزء من دولة منفصلة.

فحضرموت من وجهه نظرها ليست معقلًا تقليديًا للمجلس الانتقالي الجنوبي، غير أن قادته ينظرون إلى الموارد النفطية في المحافظة، بوصفها عنصرًا أساسيًا لقيام دولة انفصالية قابلة للحياة، فيما تفضّل الرياض يمنًا موحّدًا، ويعارض كثير من الحضارم المجلس الانتقالي، خشية أن يقوّض طموحهم في الحكم الذاتي ويُعيد إحياء السياسات القمعية لجنوب اليمن السابق.

وقد تصاعد التوتر بين هذه الأهداف المتنافسة خلال العام الماضي، إذ دعمت السعودية شخصيات قبلية مثل عمرو بن حبريش، الذي سيطر على حقول نفطية رئيسية في يناير، بينما استعدّ المجلس الانتقالي للمواجهة.

وقال ممثلو المجلس الانتقالي بعد الهجوم الأخير بفترة وجيزة، في تصريحات لكاتبة هذا المقال إنهم شعروا بأنهم محاصرون بفعل مزيج من الحشود العسكرية المتحالفة مع السعودية في حضرموت، وتراجع شعبيتهم هم أنفسهم باعتبارهم جزءًا من حكومة عجزت عن تقديم الخدمات أو التخفيف من حدة الفقر وقد تحركوا استباقيا لمواجهة هذه الضغوط وحماية مشروعهم الاستقلالي على المدى الطويل.

وتكشف أن مثل التحرك أيضًا ، يرتبط بنطاق واسع بمحاولات استئناف محادثات السلام بين السعودية والحوثيين، والتي كانت قد أحرزت تقدمًا ملموسًا قبل أن تعرقلها حرب غزة.

وقد يكون المجلس الانتقالي قد سعى على وجه الخصوص، إلى انتزاع ورقة ضغط تتعلق برغبة الحوثيين المعروفة في الحصول على حصة من نفط اليمن، الذي يقع معظمه في حضرموت.

كما جاءت الحملة في سياق تصاعد الاحتكاك السعودي–الإماراتي بشأن عدد من ملفات السياسة الخارجية، من بينها المناقشات الأخيرة للمملكة مع إدارة ترامب بشأن إنهاء الحرب في السودان، حيث تواجه الإمارات انتقاداً دوليًا متزايدًا.

وثمّة عامل بارز آخر يتمثل في الدفع الأخير من جانب الإدارة الأميركية لتصنيف بعض فروع حركة الإخوان المسلمين العالمية كمنظمات إرهابية أجنبية، إذ تعارض الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي بشدة نفوذ الإخوان في اليمن، بما في ذلك داخل الأجزاء المدعومة سعوديًا من الحكومة اليمنية. (يضم حزب الإصلاح النسخة اليمنية من جماعة الإخوان المسلمين، وهو أيضًا جزء من الحكومة المعترف بها دوليًا. وتتركز معاقله في مأرب وتعز، وبدرجة أقل في شمال حضرموت).

إعلانات التصنيف الأميركية قد لا تكون الشرارة المباشرة للتحرك، لكنها وفّرت سياقًا مواتيًا للمجلس الانتقالي لتأطير حملته بوصفها إجراءً ضروريًا ضد الإخوان، وكذلك ضد نفوذ تنظيم القاعدة في حضرموت.

ويقول ممثلو المجلس الانتقالي، ان كلا المجموعتين تلعبان دورًا في تسهيل تهريب الأسلحة للحوثيين من عُمان — وهو ما ينفيه حزب الإصلاح، ومن خلال إعلانه عزمه مواجهتهما، يسعى المجلس الانتقالي إلى تسويق نفسه بنشاط لدى واشنطن — وإسرائيل — بوصفه حليفًا في مواجهة كلٍّ من الحوثيين وجماعة الإخوان المسلمين.

تصف الباحثة أن الصراع للحالي فتح استيلاء المجلس الانتقالي الجنوبي صندوق باندورا من الاحتمالات، يشير معظمها إلى عودة الصراع. فإذا فشلت السعودية والإمارات في احتواء التوترات، فمن المرجّح اندلاع قتال بين فصائل الحكومة اليمنية، بما في ذلك في وادي حضرموت.

ووصفا تحركت الرياض بالبطيئة  في البداية،  لكن الرياض تملك مجموعة أقل تماسكًا مؤسسيًا من الجماعات المسلحة، إلا ان إمكاناتها المالية الواسعة وشبكة علاقاتها المتشعّبة تضعان المملكة في موقع يسمح لها بالاستفادة من المعارضة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وقد يتكرر سيناريو مشابه في المهرة إذا قررت عُمان التدخل.

وترى أن أي قتال من هذا النوع سيصبّ في مصلحة الحوثيين، فمع انشغال القوات الحكومية، قد يقرر الحوثيون اختبار مكاسبهم في شمال شرق محافظة مأرب (التي تضم حقول نفط) و/أو على طول ساحل البحر الأحمر (حيث تحتفظ قوات المقاومة الوطنية المتحالفة مع الإمارات بموطئ قدم).

ووفقًا لتقرير «باشا ريبورت»، أُعيد نشر العديد من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي من محافظات أخرى، ما ترك إحدى أكبر القواعد العسكرية في الجنوب، قاعدة العند الجوية، مكشوفة بشكل خطِر أمام توغّل محتمل للحوثيين.

ومن شأن أي مكاسب إقليمية أن توفّر للحوثيين موارد إضافية لمواجهات مستقبلية مع الولايات المتحدة وشركائها في الخليج وإسرائيل، كما أن عدم الاستقرار في حضرموت سيخلق مساحة لتنظيم القاعدة وجماعات متطرفة أخرى لتشكيل تهديدات أوسع داخل اليمن وخارجه.

ويتمثل خطر آخر في احتمال أن يقرّر المجلس الانتقالي الجنوبي إعلان الاستقلال سريعًا، ما قد يدفع الحوثيين وقوى شمالية أخرى إلى إعادة الاصطفاف ضده.

وقالت أبريل لونغلي "يبدو أن قادة المجلس يدركون حتى الان أن مثل هذا الإعلان سيقابَل بعزلة دولية، ولذلك صاغوا تصريحاتهم وأفعالهم وحدّدوها وفقًا لذلك، غير أنه إذا سعت الرياض والحكومة اليمنية إلى عزل المجلس وتركه بلا مخارج بديلة، فقد يختار خوض هذه المجازفة."

وترجح الباحثة أن  حليفي الولايات المتحدة يتجهان نحو مسار تصادمي في اليمن — لكن هذه النتيجة ليست حتمية، فالتدخل الأميركي الرفيع المستوى، في الوقت المناسب وبصورة مستدامة، يمكن أن يساعد على تجنّب أضرار تُلحِقها الأطراف بأنفسها، وتحقيقًا لهذه الغاية، ينبغي على إدارة ترامب اعتماد مقاربة مزدوجة المسار، تجمع على وجه السرعة بين حلفاء الخليج لخفض التصعيد في الأزمة الراهنة، مع وضع أسس لاتفاقات أوسع على المدى الأطول

وتنظر  أبريل لونغلي للحلول وذلك من خللل  السعي إلى تسوية في حضرموت، تراعي الهواجس الأمنية الجوهرية للسعودية، وفي الوقت نفسه تعترف بموازين القوى الجديدة على الأرض، وقد يشمل أحد الخيارات انسحابًا جزئيًا لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، وتولّي قوات حضرمية محلية السيطرة على الوادي، كما قد يكون تسليم المناطق لعناصر حضرمية ضمن قوات «درع الوطن» المدعومة سعوديًا — وهي قوات ذات جذور محلية وتكوين سياسي متنوع — خيارًا ممكنًا.
وتتيح هذه المقاربة للمجلس الانتقالي الادعاء بتأمين المنطقة وإزاحة قيادة المنطقة العسكرية الأولى (التي ينظر إليها كثير من الحضارم، بحق أو بغير حق، باعتبارها قوة «شمالية» فاسدة ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحزب الإصلاح)، وفي الوقت نفسه توفّر للرياض ضمانات بأن حلفاءها اليمنيين الموثوقين يؤمّنون الحدود.
لكن حسب الباحثة فإن التعامل مع التحدي الأكبر المتمثل في توحيد المقاربة الخليجية تجاه اليمن، ففي اتصاله بتاريخ 17 ديسمبر مع وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، أسهم وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في تهدئة الموقف عبر الحث على «الاستقرار» في مواجهة الحوثيين، غير أن توحيد موقفي السعودية والإمارات سيحتاج على الأرجح إلى تدخل مباشر من الرئيس ترامب، الذي يتمتع بمكانة فريدة تخوّله تسهيل هذا التقدّم بحكم علاقاته الوثيقة مع قيادتي البلدين، وصرّح رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، علنًا بأن قواته مستعدة لدعم قوى أخرى ضد الحوثيين، وإن كان من المرجّح أن يطالب بضمانات للحكم الذاتي الجنوبي أو بمسار نحو الاستقلال مقابل ذلك.

إن استكشاف تسويات تُوائم بين الشركاء الخليجيين واليمنيين يستحق الجهد المبذول، وتستطيع الولايات المتحدة توحيد الضغوط المتنوعة التي يمكن لهؤلاء الشركاء ممارستها على الحوثيين، مع اختبار استعدادهم في الوقت نفسه لقبول تسوية سياسية وطنية مستدامة

وتنظر  أبريل لونغلي أن أي اتفاق يضمن أمن منطقة البحر الأحمر، ويطمئن جيران اليمن، ويعالج المطالب الداخلية بالتوازن السياسي والاستقلال الجنوبي، ومع المزيج المناسب من الضغط والانخراط الأميركيين، يمكن لأحداث حضرموت أن تشكّل جرس إنذار طال انتظاره لاحتواء طموحات الحوثيين، وإنهاء الحرب الطويلة في البلاد، والحد من تداعياتها الإقليمية المزعزِعة للاستقرار.

زر الذهاب إلى الأعلى