نسيم محفوظ تعافر الظروف وتلاحق حلم المحاماة
الأخبار المحلية
في إحدى قرى وصاب بمحافظة ذمار، بدأت قصة نسيم محفوظ، الفتاة التي لم تكمل الرابعة عشرة حين وجدت نفسها عروسًا صغيرة، تاركة خلفها مقاعد المدرسة وحلم التعليم..
تحملت نسيم مسؤوليات كبيرة في سنٍّ صغير، فقد حملت بطفلها الأول مباشرة، وعانت كثيرًا من قسوة الحياة الصعبة في ريف وصاب، ورغم ذلك كانت تحب التعليم كثيرًا وتشاهد رفيقات سنها يذهبن إلى المدرسة، بينما حُرمت هي من التعليم مبكرًا.
كان الطريق أمام نسيم محفوظ وهي امرأة في أواخر العقد الثالث من العمر مليئًا بالعثرات؛ كما تحكي في هذا الفيديو
تسرد نسيم صعوبة استكمالها الدراسة، وتأثرها بما شعرت بأنه نقص فيها، بعد لقائها عددًا من النساء، ليتحول هذا اللقاء إلى نقطة تحول في حياتها، تقول في هذا التسجيل:
من حلم ضائع إلى طموح المحاماة
في عام 2011م، حين التحقت نسيم بدورة تدريبية في صنعاء بمشورة من زوجها عن "تمكين النساء للمشاركة في مواقع صنع القرار" وأثناء المشاركات والنقاشات شعرت بغربة ورهبة كبيرة كونها التحقت بدورة تدريبية بينهن نساء مثقفات على مستوى عال، تجلس بجانبها السياسة وتلك الطبيبة وأخرى المحامية والإعلامية وغيرهن الكثير.. بينما كانت هي تكافح لإنهاء الثانوية.
تقول نسيم: "بكيت كثيرًا يومها، لكنني قررت أن أواصل تعليمي وأصبح مثلهن وأفضل وأتوق لأصبح محامية ذات شأن عظيم تدافع عن حقوق المظلومين وخصوصاً النساء ".
خصت نسيم في كلامها النساء وعن سر اختيارها للمحاماة بسبب تأثرها بقصص نساء في الريف حيث كانت تعيش، واللواتي عانين ظلمًا كبيراً ولم يجدن من ينصفهن، فكان دافعها أقوى لدراسة الشريعة والقانون لتصبح محامية.
تضيف نسيم " تعرضت إحدى قريباتي لظلم كبير من زوجها الذي تركها وأولادها فجأة.. وهي التي باعت له أغلى ممتلكاتها من الذهب لمساعدته على إيجاد عمل مناسب له في بلاد الغربة، وما أن عثر على عمل وتحسنت أوضاعه، حتى انقطع عن التواصل معهم، تاركًا إياها وأطفالها صغارًا واليوم أصبحوا رجالًا.. لا يعرفون عنه شيء فقد انقطع تواصلهم به تماماً، وغيرها الكثير وهذا ما جعلني أسعى لدراسة المحاماة مهما كلفني الثمن للدفاع عن حقوقهن المسلوبة "
بين الأمومة والتعليم والحرفة
لم تتوقف نسيم عند حدود التعليم؛ فقد ورثت حرفة حياكة المعاوز عن أسرتها، وعلّمتها لأبنائها، وبالتعاون مع زوجها وأولادها افتتحوا جميعًا محلًا صغيرًا لحياكة المعاوز اليدوية والتي تُعد حرفة نادرة في صنعاء، سعيًا منهم لتأمين لقمة العيش وسط الحرب والأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تعصف باليمن بين الحين والآخر، وبرغم نجاحهم في البداية، إلا أن غزو المنتجات الخارجية وضعف القوة الشرائية لدى الناس، جعلهم يغلقون المشروع بعد حوالي عامين من افتتاحه، بسبب عجزهم عن سداد إيجار المحل وعدم تغطية ما يصنعونه من معاوز يدوية للتكاليف المعيشية المترتبة عليهم، ليقرروا بعدها مواصلة التركيز على التعليم والنجاح فيه.
عائلة تتشارك الحلم
رغم الأزمات التي عصفت بنسيم وأسرتها إلا أنها اليوم تفخر وتفاخر بين أسرتها وقريتها بإنجازها في الوصول إلى أعتاب نهاية التعليم الجامعي برفقة أبنائها، فابنها الأكبريرافقها في السنة الرابعة بكلية الشريعة والقانون، وابنتها الوحيدة تدرس القِبالة بهمة وتميز، بينما يواصل أبناؤها الصغار تعليمهم في المراحل الابتدائية والمتوسطة، وتقول وهي تذرف الدموع سعادة وفرح:" الفضل لله أولاً، ثم لزوجي وأولادي الذين كانوا سندي في كل ما مررت به وكانوا أصدقائي ورفقائي في كل مراحل حياتي".
التحقت نسيم بجامعة صنعاء في العام 2020، برفقة ابنها بدر الذي قرر مساندة والدته ودراسة التخصص نفسه، يذهبان معاً إلى الجامعة ويستذكرا دروسهما معاً ويتغيبا في بعض الأحيان معاً لظروف الحياة والعمل، تجاوزت نسيم التحديات الدراسية لها ولأبنائها من ارتفاع ثمن الكتب الخاصة بالشريعة والقانون، والظروف المعيشية الصعبة من تكاليف الدراسة والجامعة وإيجار المنزل ومصاريف الأسرة، وصعوبات كثيرة واجهتها وزوجها وأولادها.. إلا أنها تقول بفخر: اليوم أنا في السنة الرابعة، وبإذن الله سأصبح محامية أدافع عن حقوق النساء المستضعفات في اليمن.
رسالتين
في نهاية حوارنا تستذكر نسيم محاور حديثها معنا كعادتها في الجد والاجتهاد والتحضير المسبق لكل شيء، بل وتوثيق كل ما تريده على الورق، تختم حديثها معنا برسالة شكر
تقول: أود أن أشكر كل من وقف معي وصبر عليّ، وشجعني على الاستمرار وأولهم زوجي وأبنائي ثم معلماتي اللواتي راعين ظروفي طوال مسيرتي التعليمية وصديقاتي اللواتي كن يسعين جاهدات لتوفير الكتب والملازم والمحاضرات لي تقديراً لظروفي.. بفضلكم جميعاً نجحت ومحيت عقدة أن المرأة مكانها البيت فقط وليس المدرسة أو الجامعة.
كما توجه رسالتها الثانية لكل امرأة يمنية: مهما كان عمرك أو مسؤولياتك تجاه بيتك وأولادك والحياة بأسرها، لا تتوقفي عن التعليم.. طاردي حلمك، الطريق صعب، لكنك قادرة على تجاوزه مهما كانت العوائق، كما فعلت أنا المحامية نسيم أم الخمسة أطفال وخريجة العام 2025.