موجوع من قصف مطار صنعاء الذي كان بيتي
كم أنا موجوع من قصف المطار. لي مع مطار صنعاء ذكريات خاصة. عملت في المطار لمدة عام لدى شركة اليمنية، وكان ذلك قبل عشرين عامًا. عرفت صالاته، ومدرجه، وباحة وقوف الطائرات. عرفت قسم "العفش"، ومركز تخطيط الرحلات، وقسم التموين الغذائي.
كان المطار بيتي. عملت فيه نوبات ليلٍ ونهار. كان عملي هناك أول وظيفة بعد التخرج، علامة تحرر واستقلال، عملًا مؤسسيًا بعد سنوات طويلة من العمل جوار أبي أو في متاجر وشركات الأهل.
سحرتني الطائرات منذ طفولتي، وكانت بعيدة عني. أراها تمخر السماء. وفي المطار قابلت الطائرات من كل الشركات الدولية. كانت طائرات اليمنية الأجمل في عيني، وكان منظر وصول الطائرة كأنه لقاء أمٍّ عائدة. أما إقلاعها، فكان يبدو كمكافأة بعد جهد. عشرات الموظفين ينظرون إليها وهي تشق السماء محلقة.
في المطار كوّنت أجمل الصداقات، وعشت أيامًا غامرة بالمشاعر، والنشاط، والمشاكل، والعجائب. المطار عالم متكامل، كما هي محطات القطار، بل أكثر.
الطائرات أكثر من أن تكون مجرد مكائن عملاقة ومعقدة. إنها أشياء عجيبة، والعلاقة بها حميمية جدًّا. والعمل فيها وحولها يخضع لبروتوكولات خاصة تزيد من هذه العلاقة وتكثّفها.
أتذكّر أن أحد المديرين أراد أن يصف حادثة التصاق سُلّم الطائرة بقوة بجسمها الخارجي، فقال: "قبّلها".
أتذكّر أول يوم وطأت فيه قدمي الطائرة القادمة من بيروت – عمّان، لتسلّم أوراق الرحلة.
أتذكّر الرحلات القادمة من مارسيليا إلى جزر القمر، التي كنتُ أُختص بها لأني أتحدث الفرنسية.
كم أنا موجوع من هذا القصف. احتشدت معه آلاف الذكريات، والأوجاع، والقصص الجميلة.
تهدّم بيتي.
أستطيع أن أقول إن الحوثي سعى إليه سعياً.
مشهد النيران وأعمدة الدخان السوداء في سماء صنعاء كئيب، يُحدث في النفس أثرًا عميقًا، ويخنقها، كأنه جاثم في الصدر.
مصطفى ناجي