الفكر هو السلاح الغائب عن ساحاتنا

Author Icon عبد ربه السقاف الطهيفي

مايو 6, 2025

منصة "مجتمع" التي يديرها الأخ العزيز الدكتور باسم الجمل تُعدّ ظاهرة صحية في المشهد الثقافي العربي.

الجمل رجل واسع الثقافة والاطلاع بلا شك، وفي كثير من الحلقات يكون واضحًا أن معرفته تفوق معرفة بعض ضيوفه – مع كامل التقدير لهم – إذ استضاف مفكرين وشخصيات جيدة، لكن الغالبية تدور أفكارهم حول ما يُعرف بـ"الفكر القرآني" أو ما يُطلق عليهم خصومهم "منكري السنة".

الحق أن بعض هؤلاء حين تستمع إليهم، تلمس فيهم منطقًا وقدرًا من الحجة، لكنه لا يصل إلى المستوى المطلوب، وغالبًا ما يُضعفهم تعصّبهم للدكتور محمد شحرور رحمه الله.
والدكتور شحرور، لا نحكم عليه إلا بما هو ظاهر، فقد اجتهد، وأصاب في مواضع وأخطأ في أخرى، وما أصاب فيه أو أخطأ، فسيُظهره البحث المنطقي بميزان العلم، أما الحكم النهائي، فإلى الله، وهو أحكم الحاكمين.
لكن المؤسف أن بعضهم يتحدث عنه وكأنه مفكر بلغ ذروة الإحكام في أطروحاته، فلا تُناقش أفكاره، ولا تُراجع تحليلاته، بل يُروى عنه بإعجاب وكأنّ ما يطرحه هو نتائج نهائية لبرهان قاطع أو بناء معرفي صلب. والحقيقة أن في بعض ما طرحه من الأفكار ما يتّسم بالهشاشة والتناقض والركاكة المنهجية، بحيث لا يليق بمفكر جاد أن يتبناه دون تمحيص، فضلاً عن أن يعرضه على أنه استنتاج منطقي راسخ.

وأقول هذا عن تجربة ومعرفة، فأنا من الذين قرأوا لشحرور منذ سنوات طويلة، وأُعجبت ببعض أفكاره، بل تحمّست للاطلاع على مجمل إنتاجه الفكري. ولكن، بمجرد محاكمة تلك الأفكار بعقلانية، ومقارنتها بأفكار من هم في مستواه أو أعلى في التخصصات التي خاض فيها، تتضح هشاشة الكثير من أطروحاته.

من هنا، أرى أن منصة "مجتمع" – أو أي بودكاست ثقافي مماثل – سيكون أكثر فاعلية لو خصّص حلقات يستضيف فيها متخصصين في اللغة العربية تحديدًا، بحكم أن كثيرًا من حجج هؤلاء المفكرين تقوم على الفهم اللغوي للنصوص.
فعندما تُوزن الأقوال بميزان العلم والمنطق، لا يخشى أحد الحجة إلا من كان يعلم أن حجته ضعيفة.

وفي النهاية، ساحة الفكر حين تشتعل بالحجج لا يكون ضحاياها إلا الجهل، وكلما احتدم الصراع الفكري بسلاح المنطق والعلم، انتصرت الحقيقة، وهذا هو ما نرجوه ونؤمن به.

زر الذهاب إلى الأعلى