السيد لا زال في مخبئه؛ إذا لقد انتصرنا
تمتلك الحركات الشبيهة بالحوثية معجمًا لغويًا فريدًا، يقوم على قلب الحقائق الواضحة والبديهية بوقاحة صارخة ودون أدنى خجل. فمفهوم النصر والهزيمة لديها يختلف جذريًا عما تدركها الفطرة البشرية السليمة؛ بل هو أمر آخر يُصنع عبر رطانة لغوية جوفاء، تُـثير إعجاب السذج وتقنع الأنصار. ولكي تبدو هذه الرطانة جذابة وذات مصداقية، تُقدم عبر مهرجين يرتدون عباءة الخبراء الاستراتيجيين أو مديري مراكز الدراسات أو المفكرين، ويُفضل لو كان هؤلاء من بلاد الخصوم، ليكتمل مشهد التضليل.
استدعى الحوثيون مواجهات غير متكافئة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، كان محكومًا عليها بالفشل الذريع منذ البداية، نظرًا للاختلال الهائل في موازين القوى، وهو ما أكدته النتائج. فعلى مدى أكثر من خمسين يومًا من الضربات الأمريكية المتواصلة، لم تتجاوز أقصى قدرات الحوثيين إسقاط عددا من الطائرات المسيرة، والصراخ عبر ناطقهم العسكري؛ بينما كانت الطائرات والصواريخ الأمريكية تتحرك بحرية تامة في الأجواء اليمنية وتضرب أي هدف تريده. وقد أسفرت هذه المواجهات عن خسائر بشرية وعسكرية فادحة، لم يعلنوا عنها، وتدمير ميناء رأس عيسى. وتعني هذه النتيجة، باللغة العسكرية، تفوقًا مطلقًا من الجانب الأمريكي وعجزًا تامًا من جانب الحوثيين.
أما حصيلة المواجهات مع إسرائيل فكانت كارثية بكل المقاييس. فبعد محاولات عديدة لضرب أي منطقة في إسرائيل، نجح صاروخ حوثي واحد في اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، محدثًا حفرة بقطر خمسة عشر مترًا في محيط مطار بن غوريون، وهو ما أدى، وفقًا للبيان الحوثي، إلى توقف الملاحة في المطار لمدة ساعة. في المقابل، ردت إسرائيل بقسوة مفرطة نتج عنها، تعطيل مصانع أسمنت تنتج أكثر من ثمانين بالمئة من الأسمنت المنتج في مناطق سيطرتهم، وتدمير المطار الوحيد الذي يربطهم بالعالم، بالإضافة إلى تدمير جزئي لميناء الحديدة وأهم محطات توليد الكهرباء.
وكما هو متوقع؛ فبعد أن أعلن الرئيس الأمريكي توقف الضربات، افتعل الحوثيون نصرًا وهميًا، وهزيمة للولايات المتحدة عبر ضجيج إعلامي هائل. وتم اختزال معيار النصر المزعوم لديهم في عجز أمريكا وإسرائيل عن تدمير الحركة الحوثية وقتل كل قادتها، وبالذات عبدالملك الحوثي. ولتأكيد هذه المزاعم، سعوا للبحث عن تصريح أو موقف لسياسي أمريكي أو إسرائيلي، أو رأي في أي وسيلة إعلامية، يشكك في جدوى العمليات العسكرية ضدهم، ليدعوا أن عدوهم قد اعترف بالهزيمة، وأنهم قد انتصروا.
إن معيار النصر لدى الحركات العدمية، كالحوثيين، هو قدرة قائدها، أو قادتها على الفرار والاختباء، وبالتالي النجاة من الموت. وحتى في حالة الموت، كما حدث مع قيادات حزب الله، يتم إنكار الهزيمة بالقول إن العدو لم يقضِ على هذه الحركات تمامًا، وإنها لا تزال تمتلك بعض الأسلحة وبعض الأعضاء الأحياء. وعلى افتراض القضاء على جميع الأسلحة والأعضاء، سينبري هؤلاء ليقولوا إنها لم تُـهزم لأن فناء الحركة لا يعني موت الفكرة التي حملتها. والخلاصة هي استحالة اعتراف الحركات العدمية بالهزيمة مهما كانت النتائج.
إن قدرة القائد أو القادة على الفرار والاختباء ليست أعمالًا بطولية، بل سلوكا أرعن يفتقر إلى الشجاعة والأخلاق والمسؤولية؛ فمن الجبن أن يخوض قائد معركة غير متكافئة، يدفع ثمنها المدنيون والجنود والقيادات الدنيا والوسطى، وتُدمر البنية التحتية؛ بينما يظل هو في مأمن لأنه بارع في الهروب والاختباء. هذا السلوك أقرب ما يكون إلى سلوك زعماء العصابات الإجرامية، وليس سلوك المناضلين أصحاب القضايا العادلة. فالنصر في معجم الحوثيين مجرد وهم يُسوَّق بمهارة خطابية، بينما الحقيقة تُكتب بدماء الناس ودمار الممتلكات. فليس هناك من مجد يُبنى على أنقاض الأوطان، ولا انتصار حقيقي حين يكون القائد أشطر المختبئين.