لماذا عُذِّب اليمنيون... لماذا لن ينتهي؟

Author Icon مصطفى محمود

مايو 15, 2025

كل أمة تواطأت مع وهم ما، إلا اليمنيين، فقد تواطأوا مع كل الأوهام دفعة واحدة: أوهام السلالة، أوهام الثورة، أوهام القبيلة، أوهام التحرير، أوهام الفيدرالية، وحتى أوهام الدولة.

لم تكن الحرب قدرًا، بل نتيجة طبيعية لسؤال لم يُطرح بجدية منذ 1962: من يحكم اليمن؟ وبأي شرعية؟ وبأي أدوات؟ ظل اليمن أرضًا متروكة لسلطة بلا تعريف: قبائل تحمل السلاح باسم الجمهورية، وسلاليون يعتلون المنبر باسم الله، وحركات تستورد خطابها من خارج التاريخ والجغرافيا.

حين خرج اليمنيون في 2011، لم تكن مشكلتهم مع صالح، بل مع بنية حكم أنتجت صالح. لكنهم لم يجرؤوا على تفكيكها. أسقطوا الرأس وتركوا الجسد سليمًا. وحين دخل الحوثي صنعاء، لم يكن انقلابًا على الدولة، بل تتويجًا لانهيارها الطويل. لم يسقط شيئًا، بل ورث أنقاضًا.

كل طرف في اليمن لا يريد دولة، بل يريد سلطة دون بنية حكم. الجميع يضعف الشرعية ويطالب بشرعية قوية. الجميع يبني أطرافًا مسلّحة. الجميع يرفض الانقسام ويتبنّى سرديّته. الجميع يتحدث عن الجمهورية، ويتصرف كوكيل للخارج، أو وريث للسلالة، أو مشروع جغرافيا مبتورة.

يتعذّب اليمنيون لأنهم لم يُنتجوا وعيًا موحّدًا حول ماهية الدولة: هل هي تمثيل أم غلبة؟ عقد اجتماعي أم ميراث سماوي؟ وحين لا يُحسم هذا السؤال، يصبح كل شيء مباحًا: القتل، الطائفية، الانفصال، الاحتلال المقنّع، والمليشيات بأزياء رسمية.

المعضلة ليست فقط في الحوثي، بل في كل من يريده خصمًا ليبرر تشظّيه. والمشكلة ليست فقط في غياب الدولة، بل في فائض الكيانات التي ترفض أن تكون دولة شرعية.

لن يخرج اليمن من عذابه، إلا حين يقرّر أن يحسم الأسئلة المؤجّلة:
من هو المواطن؟
من يملك السلاح؟
من يحدّد معنى اليمن؟
ومن هو العدو الحقيقي: الخارج، أم عقل الداخل الذي لا يريد أن يُشفى؟

زر الذهاب إلى الأعلى