سلطة وراية واحدة لتحرير اليمن

Author Icon محمد علي محسن

مايو 18, 2025

السلطة الشرعية في اليمن ، كان يعول عليها قيادة المقاومة ومن ثم الدولة في مرحلة تالية للتحرير ، ما يعني هنا أن الرئيس قدره أن يكون قائدًا محاربًا في جبهات القتال ، ويكون أيضًا سياسيًا موجهًا وملهمًا في عملية التحرير وما بعدها  .

الرئيس الفرنسي " تشارل ديجول ' استنجد بالانكليز لتحرير بلاده من الإحتلال النازي الألماني ، وكان حاملا لصفة القائد العسكري المحرر لبلاده ، وعُرف بها أكثر من أي صفة سياسية تالية ، كرئيس للجمهورية الفرنسية . 

وكان الرئيس اليوغسلافي " جوزيف تيتو " قائدًا للمقاومة الشعبية لتحرير وطنه من الاحتلال الألماني في سني الحرب العالمية الثانية .

ومطلع تسعينات القرن المنصرم قاد الرئيس البوسني " علي عزة بيجوفيتش " معركة التحرير ، ومن ثم قيادته لمرحلة ما بعد التحرير والاستقلال لجمهورية البوسنة والهرسك . 

ربما اعتقد البعض أنه لا توجد ثمة مقاربة بين الحالات الثلاث وبين حالة اليمن ، على اعتبار أن ما يحدث في هذه البلاد يعد شأن داخلي أهلي ولا يمكن مضاهاته بالنازية أو الفاشية أو حرب البلقان  . 

الحقيقة المُرَّة أن الحوثية اسوأ وأفظع  ، المسألة لا تُحكم بالعاطفة ، وإنما بالعقل والمنطق ، فهذه الجماعة مختزلة اليمن واليمنيين بفكرة عنصرية شوفينية واحدة ، تعتقد أنها أفضل فئة ، وعرقها أسمى واقدس مكانة ومرتبة . 

وإذا كانت النازية دمَّرت العالم واهلكت قرابة الخمسين مليون كقرابين لفكرة التفوق العرق اللاري الألماني عن بقية شعوب الأرض ؛ فإن الجماعة الحوثية أهلكت الحرث والنسل من أجل هذا الاصطفاء والتمايز الطبقي المقيت .

ووفقا لهذه الفكرة الخبيثة الخاطئة القاتلة لروح المساواة والمواطنة ، فإنها تخوض معركة مقدسة ليس لتحرير القدس أو اليمن مثلما تسوق في إعلامها للجهال والاتباع المتعصبين ، وإنما لإخضاع اليمنيين للعيش في كنف تمايزي بغيض يضع الناس في مرتبتي سادة وقبائل ، أحرار وعبيد ، شريف وأصيل ونقي يستحكم بخسيس ودنيء وحقير   . 

السلطة الشرعية بقدر ما نجحت في بضعة أشهر في مهمة قيادتها للمقاومة والتحرير ، بذات القدر أخفقت عسكريًا وسياسيًا خلال العشرة الأعوام التالية ، على ما توافر لها من إمكانيات مادية وبشرية ولوجيستية وسياسية .

المؤسف أن هذه السلطة غرقت في معارك ثانوية أفضت في النهاية إلى هذه الحالة ، فبدلًا من أن تكون كيانًا عسكريًا وسياسيًا جامعًا لكل القوى المناهضة للجماعة الحوثية الانقلابية ؛ وجدت ذاتها في خضم أزمات سياسية بينية مع من يفترض أنهم حلفاء حرب وشركاء مرحلة  . 

وفي حالة كهذه كان ولابد أن تصير الشرعية مجرد مسمى مثقل بإرث من القيود الحائلة دون إمساكها بزمام السلطة بما تعني من قوة ونفوذ ومبادرة وخيار وقرار .

وفي المحصلة أخفقت أن تكون السلطة السياسية الوحيدة المتخذة لقرار الحرب أو السلام ، كما ولم تفلح جهودها كي تكون الإداة السياسية الممثلة لكافة القوى العسكرية والمدنية المناهضة للجماعة الحوثية المسيطرة على عاصمة البلاد ومحافظات يمنية  .

وهذا الإخفاق سببه أن السلطة الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن لم تتحد قواها ككتلة سياسية موازية للسلطة الانقلابية في صنعاء ، إذ بقت مكوناتها متناثرة ومتضادة مع بعضها البعض ، وسيلة ، وأداة ، وغاية .

نعم ، يكفي الفرقاء الإتفاق على سلطة واحدة حاملة لراية تحرير اليمن من جماعة انقلابية مارقة .

لكنهم لم يتفقوا ، ولم يتوحدوا ، وبقوا جميعا يؤدون دور الوكيل لدول الإقليم ، فضاعت السلطة الشرعية المسنودة بدعم إقليمي وعربي ودولي في اتون تجاذبات وتنافرات وثأرات بين مكوناتها .

في الأشهر الأولى من الحرب ، قُدِّر للسلطة الشرعية وهي في منفاها بالرياض من إعادة إحياء المقاومة في نفوس الناس واذهانهم .

وعلى اختلاف الفرق والغايات السياسية تحررت عدن وجوارها وفي ظرفية لا تتعدى الأربعة الأشهر ، وهذه المساحة المحررة اعتبرت انتصارًا ساحقًا كان يمكن أن يفضي لتحرير كامل اليمن ، خاصة مع توالي سقوط المواقع والمناطق واحدة بعد الأخرى .

في ذاك الوقت كانت جبهات القتال متلاحمة ومتشاركة في غاية المقاومة والتحرير ، لذلك تلاشت وزالت كثير من التبيانات ، على اعتبار أن عدو عدوي صديقي .

لكن دوام الحال من المحال ، فمع أول إنتصار سرعان ما برزت التبيانات ، وهي هنا ليست خلافات جوهرية حادة يصعب تجاوزها أو ترحيلها ، وإنما هي اختلافات سياسية يمكن تفهمها والاتفاق حولها لو أنها وضعت للنقاش الجاد .

 هذه التبيانات بمضي الوقت كان لها مفاعيلها العكسية على الجميع ، جنوبًا وشمالًا ، إقتصادًا وعملة وخدمات وجيشًا وأمنًا ومسعا وغاية . لقد حالت ومازالت عائقة لوجود سلطة واحدة براية واحدة وغاية واحدة .

وهذه السلطة ينبغي أن تتحمل مسؤولية إدارة المحافظات المحررة ، وتتولى مهمة حشد الطاقات لمهمة تحرير كل اليمن .

فالحرب وجه آخر للسياسة ، فحين تتعذر ادوات السياسية تكون الحرب وسيلة لتحقيق ما أخفقت فيه الدبلوماسية  ، فالسلام غالبًا ما تأتي به القوة ، وفي حالتنا هناك شتات لهذه القوة بسبب تعدد وتضاد الرايات ، وتحرير اليمن لا يكون بغير قيادة واحدة وراية واحدة ..

  

 

زر الذهاب إلى الأعلى