بين مطرقة دويلة إسرائيل وسندان إيران... العرب ضحية الصراع أم رافعة الاستباق؟

Author Icon الدكتور / علي العسلي

يونيو 14, 2025

بين مشروعين توسعيين يقتتلان فوق سماء الأرض العربية — أحدهما صهيوني فجّ، والآخر خميني مستتر — يجد العرب أنفسهم ضحايا دائمين في مشهدٍ لا يملكون فيه القرار. يحلل هذا المقال خفايا ذلك الصراع المركّب، ويقترح رؤية استراتيجية تمكّن العرب من التحوّل من موقع الاستهداف إلى موقع الفعل. فهل آن أوان الاستباق بدل الاستسلام؟

أولًا: لا خير في "دويلة إسرائيل"... لا سلام يُرتجى ولا تطبيع يُثمر

منذ نشأتها، لم تحمل "دويلة" إسرائيل زرعًا للسلام ولا بذرة خير لا لفلسطين ولا للأمة العربية. فكل تجارب التطبيع والاتفاقات الثنائية معها أثبتت هشاشتها وانعدام جدواها؛ فلم يحصل المطبعون على أمنٍ يحميهم، ولا اقتصاد يُنعشهم، ولا نفوذ يعزز مكانتهم في المنطقة.

ولا تزال دويلة إسرائيل تواصل احتلالها وتوسّعها الاستيطاني وخارج حدود الاراضي الفلسطينية ، وترفض كل مبادرات الحل، وعلى رأسها "حل الدولتين"، مع تمسكها بخطاب التطهير العرقي والتهجير والإبادة الجماعية، لا سيما في قطاع غزة، الذي يشهد اليوم أفظع مجازر العصر.

ثانيًا: إيران الخمينية... طموحات نووية وأذرع دموية

رفعت إيران علم فلسطين بعد سقوط الشاه في سفارة الكيان الصهيوني بطهران ، لكنها سرعان ما استغلّت القضية الفلسطينية غطاءً لتوسيع نفوذها وتصدير ثورتها الخمينية.
تحت شعار "إزالة دويلة إسرائيل من الوجود"، تمدّد الكيان الغاصب على الأرض، وتوسّع الاستيطان، واشتدّ القتل ضد الفلسطينيين.

في المقابل، زرعت إيران أذرعها في أكثر من عاصمة عربية: في لبنان، سوريا، العراق، واليمن — حيث دفعت بميليشيا الحوثي لإسقاط الدولة، وإدخال البلاد في أتون حرب عبثية، خلّفت القتل والدمار والتهجير، وأضعفت النسيج الوطني.

لقد أثبت الواقع أن إيران ودويلة إسرائيل وجهان لعملة واحدة: عملة الفوضى والدم والطائفية، والاستعمار المُبطَّن.

ثالثًا: العدوان الصهيوني على إيران... بين التشفي والموقف المبدئي

عندما استهدفت حكومة المجرم نتنياهو مواقع في إيران، تباينت مواقف العرب بين مؤيد متشفٍّ ورافض متحفظ. غير أن المبدأ يجب أن يكون واضحًا:

كل ضربة توجّهها أي جهة لدويلة إسرائيل، تُرحّب بها الشعوب العربية، لأنها مقاومة لمحتل.

وكل تآمرٍ مع العدو الصهيوني مرفوض، حتى لو جاء من حليف.

وفي المقابل، لا يمكن تجاهل عدوانية إيران وتدخلها الدموي في الشأن العربي، ولن يكون الرد على دويلة إسرائيل مسوّغًا لشرعنة مشروعها التوسعي ولا مبررًا لسكوتنا عن أذرعها المدمرة.

رابعًا: هل ما يجري حرب وجود... أم تمثيلية تقاسم نفوذ؟

لو كانت الحرب بين دويلة إسرائيل وإيران وجودية فعلًا، لاستخدم كل طرف أقصى أدواته، بما في ذلك الوكلاء والمليشيات.
لكن الواقع يشير إلى "صراع مرسوم الحدود"، يهدف إلى تثبيت مناطق النفوذ، وتسريع توقيع الاتفاق الأمريكي الإيراني بشأن الملف النووي، بالإضافة إلى تحريك بيادق الوكلاء، وتحميل العرب تكلفة كل مواجهة، رغبةً أو رهبةً!
فالولايات المتحدة، التي كانت قاب قوسين من توقيع اتفاق نووي مع إيران، دفعها نتنياهو إلى التصعيد من جديد، لابتزاز طهران أو حتى تمهيدًا لإسقاط نظامها، بينما تُترك الفوضى تتفشى في الساحات العربية دون حساب.

خامسًا: المفاجأة النووية... هل إيران على أعتاب إعلان نفسها قوة نووية؟

كشف كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، د. يسري أبو شادي، في تصريح لتلفزيون العربي، أن لإيران مفاعلًا نوويًا يقع على عمق 80 مترًا تحت الأرض، ولا يمكن استهدافه إلا باستخدام قنبلة نووية!
وهذا يضع أمريكا والميان الصهيوني أمام خيارين:

إما القبول بإيران نووية، بعد أن لا ينقصها سوى "الفتوى" من مرشد الثورة.

أو تدمير مفاعلاتها بالقوة، وهو ما لن يحدث إلا عبر أمريكا، ما يعني إشعال المنطقة بأكملها، وإغراقها في دوامة من النار لا نجاة فيها لأحد.

سادسًا: العرب... بين خياري الصمت أو الاستباق

لم يعد العرب مجرد متفرجين على صراع الكبار، بل باتوا في مرمى نيرانه، وتحت وطأة تداعياته.
وعليه، لم يعد من خيار سوى التحرك المبكر والاستراتيجي، لتفادي الانفجار الشامل.

على العرب أن ينتقلوا من موقع التلقي إلى موقع الفعل؛ عبر تشكيل تحالف عربي مستقل، لا يأتمر برغبة واشنطن ولا طهران، بل يتحرك من أجل أمن شعوبه، ويبدأ بموقف موحّد من فلسطين، ولا ينتهي إلا بإعادة التوازن في الخليج، واليمن، وسوريا، ولبنان.

فاستباق الفوضى لا يكون بالحياد السلبي، بل بالانخراط الذكي والفعّال في رسم السياسات وبناء التحالفات وإدارة الأزمة.

سابعًا: العرب واستحقاق المبادرة في حال تغير المعادلة

في ظل احتمال أن تعلن إيران نفسها دولة نووية، أو إذا سقطت دويلة إسرائيل تحت ضغط المقاومة أو الحرب الداخلية، فإن الموقف العربي يجب أن يكون واضحًا وصادقًا:

الوقوف التام مع الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس الشريف.
فلا تحرير حقيقي دون فلسطين، ولا أمن دائم دون عدالة لها.

الرسالة الأخيرة:

دويلة إسرائيل لا تريد سلامًا.

إيران لا تنصر فلسطين.

أمريكا لا تحمي إلا مصالحها.

ومن لا يمتلك قوته، يُؤكل... ولو بعد حين!
إما أن يكون العرب صانعي مشهد المستقبل، أو سيبقون ضحايا على هامش صراعات الآخرين.

فهل نختار أن نكون؟!

زر الذهاب إلى الأعلى