المكاشفة... بين شجاعة الاعتراف وخطورة الإقرار بالعجز!

Author Icon الدكتور / علي العسلي

يونيو 17, 2025

هل أصبحت المكاشفة السياسية في اليمن وسيلةً للتنصّل من المسؤولية، أم تمهيدًا لتحمّلها؟

وهل بات الوضوح في الخطاب غطاءً يُستخدم لتبرير الجمود والتراجع؟

أسئلةٌ مشروعة تفرض نفسها بعد توالي المكاشفات، آخرها تصريح العميد طارق صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي، حين قال إن الحرب في الظروف الحالية "غير ممكنة"، وإن المشهد خرج من نطاق المحلي وأصبح رهينة للتجاذبات الإقليمية والدولية!

فهل يُعقل أن يُختزل مصير وطن بأكمله في معادلات إقليمية؟
وهل بات قرار الحرب أو السلام في اليمن يُتداول خارج حدود السيادة الوطنية، دون حتى علم الشرعية؟
كما أشار طارق إلى مفاوضات أمريكية حوثية عبر الوسيط العُماني، بإرادة وقرار إيراني، دون إشراك الحوثيين أنفسهم فيها؟!
ثم، ما نفع وجود مجلس قيادة رئاسي، وقوات منظمة على الأرض، إن لم يكن بمقدورها الفعل وردّ الفعل أو حتى التأثير؟!

وإذا كان خطاب طارق صالح اعترافًا واقعيًا بتعقيدات اللحظة، فهل يمكن القبول بالأمر الواقع والرضوخ له؟
هل من المنطقي توجيه القدرات العسكرية الخبيرة والمدرّبة في المواجهة والقتال نحو تعبيد الشوارع، واختزال تلك القوة في أعمال خدمية، حتى يُؤذَن باستئناف القتال؟!
هل أصبحت التنمية غاية في ظل وطن مختطف، وتنميةٌ مهددة بالإفناء؟
هل يمكن لأهالي تعز، مثلًا، أن يفرحوا بشارع مُعبد على أطراف محافظتهم، في حين أن المياه – شريان الحياة والصحة – لا تصلهم؟!
أليس الأجدر، بدلًا من "الزفلتة"، أن نرى مشروعًا لتحلية مياه البحر من المخا إلى تعز؟!
أوليست هذه الأولويات أوضح وأجدى من بناء واجهات خدمية مؤقتة؟!

ثم، هل يُعقل أن يُقال: "إن لم تكن هناك حرب، فسنعود للبناء"؟
وهل الجيش وُجد ليُعمِّر فقط؟!
أين ذهبت مهمته الأولى: حماية الأرض والسيادة والدستور واستعادة الدولة؟!
وإذا كان المنقلب يتقدّم ويُحكم قبضته، فهل نُبقي قواتنا خارج المعركة بحجة "انتظار الوقت المناسب"؟!
ومتى يكون هذا الوقت؟! ومن الذي يُحدده؟!

وإن صحّ ما يُثار حول تقارب بين "المقاومة الوطنية" و"المجلس الانتقالي"، فهل يُعقل أن تتحالف قوة تؤمن بالجمهورية اليمنية مع أخرى ترفع مشروع الانفصال؟!
هل في ذلك التقاءٌ للمبادئ، أم تباينٌ فادح لا يمكن الجمع بين أطرافه؟!
وهل نُطمئن الناس بتحالفات تُناقض إعلان نقل السلطة ومهام مجلس القيادة؟!
أليس من الأجدر بالمجلس أن يعمل كوحدة واحدة منسجمة لاستعادة الدولة، لا أن يظهر كتحالف مكونات متباينة الرؤية والمسارات؟!

وإذا كان العميد طارق لا يتبنّى هذه المشاريع، فليُعلن ذلك صراحة، وليُؤكد أن قواته جزء لا يتجزأ من المؤسسة العسكرية اليمنية، تعمل تحت قيادة موحّدة، ضمن غرفة عمليات واحدة، وهدفها الوحيد هو استعادة الجمهورية، لا تثبيت وقائع أمر واقع، ولا رسم حدود نفوذ لمناطق بعينها!

وهل تكفي الشجاعة في المكاشفة دون امتلاك الجرأة على اتخاذ القرار؟
وهل يبدأ الإصلاح السياسي بقول "لا نقدر"، أم بوضع خطة واقعية لما يجب أن يكون؟
أليس من الأخطر أن تتحول هذه المكاشفات إلى أداة لتطبيع العجز في أذهان المواطنين؟
أليس من واجب القادة أن يصنعوا الأمل، لا أن يُكرّسوا الانكسار؟!

ولعل الأهم: من تخدم هذه القوات إن لم تكن في خدمة اليمن؟!
أليس من المفترض أن تكون كل التشكيلات العسكرية، بما فيها تلك الموجودة في الساحل الغربي، جزءًا من جيش وطني واحد، لا قوة مستقلة أو ذات صبغة وظيفية؟!
وهل يُخيفهم الانتماء للدولة اليمنية الشرعية المركزية، إن كانوا أصلًا داعمين لها؟!
أليس من الواجب توحيد الجهود وتذويب الفوارق والولاءات، لصالح ولاء واحد: لليمن، ولا شيء غير اليمن؟!

وما المطلوب اليوم؟!
الصراحة؟ نعم، ولكن مقرونة بخطة.
الاعتراف؟ نعم، ولكن مشفوع بالفعل.
أما الاكتفاء بالقول "لا حرب" و"نُعبّد الشوارع"، فلا يُعدّ سوى استقالة مبكرة من معركة لم تُحسم بعد، وانسحابًا مهزومًا في ظل مراوحة مستمرة منذ سنوات، لا حرب فيها ولا سلام.
وبهذا المنطق، كيف نُقنع اليمنيين أن هناك قيادة ما زالت تسعى لاستعادة الدولة؟!

ختامًا، نقول لكل قائد وطني: إنّ الناس ينتظرون أفعالًا، لا تبريرات.
والشرعية ليست فقط منصبًا أو عضوية في مجلس، بل التزامٌ بالمشروع الوطني الجامع.
ومَن أراد أن يُحجز له موضع في الذاكرة اليمنية، فعليه أن يكون حيث ينبغي أن يكون: في قلب معركة السيادة، لا على هامشها.
فالزمن لا ينتظر، والشعب لا ينسى، والتاريخ لا يرحم!

فمن كان في خدمة اليمن، فليجعل كل تحرّكاته وأدواته وقراراته لأجل اليمن، ومن أجلها فقط!

زر الذهاب إلى الأعلى