زلزال الضاحية .. كيف حطمت إسرائيل "أسطورة المقاومة" في 10 أيام؟

Author Icon خالد سعيد نزال

يونيو 29, 2025

في فجر 17 سبتمبر 2024، تحولت أجهزة "البيجر" و"الووكي توكي" التي يحملها عناصر حزب الله إلى قنابل موقوتة. انفجرت 3,000 جهازاً في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع والجنوب، مُحدثةً دويًّا هزَّ أركان "دولة حزب الله" الخفية. مشاهد الجثث المشوهة والدماء التي غطت شوارع حارة حريك لم تكن مجرد ضربة عسكرية، بل زلزالاً أمنياً مزق غشاء "المناعة الاستخباراتية" الذي تفاخر به الحزب لعقود .
الطريق إلى اغتيال "الاسطورة "
الحلقة الأولى: - تفجير الاتصالات
كانت الأجهزة المتفجرة التي تسربت عبر شبكة جواسيس إسرائيلية مجرد البداية . في أقل من 24 ساعة، تحولت وسائل الاتصال "الآمنة" التي أمر نصر الله عناصره بالاعتماد عليها بديلاً للهواتف، إلى شظايا تقطع شرايين التنظيم 3,500 بين قتيل وجريح، منهم قيادات في "قوة الرضوان" وحرس القيادة .
الحلقة الثانية: - اغتيال القيادة الميدانية
في 27 سبتمبر، اخترقت صواريخ نوع MK84(وزن الواحدة طن ) تحملها طائرات إف - 15 الإسرائيلية 80 متراً تحت الأرض في حارة حريك. دفن حسن نصر الله ونائب قائد فيلق القدس الإيراني تحت الأنقاض، ليختنقا في المخبأ الذي ظل سراً محروساً 18 عاماً. الأكثر إيلاماً للحزب ضمن معلومات دقيقة عن مكانه جاءت من الداخل لدائرة نصر الله الضيقة
الحلقة الثالثة: - إبادة القيادات البديلة
خلال أسبوع واحد، سقط 9 من أصل 10 قادة عسكريين كبار في الحزب، بينهم إبراهيم عقيل خليفة فؤاد شكر في قيادة "قوة الرضوان". الضربات الإسرائيلية استهدفت نصف "المجلس الجهادي" القلب النابض للحزب في ضربات جوية دقيقة كشفت أن إسرائيل تملك خريطة حية لدماغ الحزب .
الانهيار المزدوج: من "بيت العنكبوت" إلى وراء الليطاني
قبل عام فقط، كان نصر الله يهزأ بإسرائيل ووصفها "ببيت العنكبوت". لكن في أكتوبر 2024، وقعت المفارقة التاريخية
- الانهيار العسكري: خسر الحزب 25% من صواريخه و70% من صواريخه الدقيقة ، بينما تحولت مخازن الأسلحة تحت المستشفيات والمدارس إلى أهداف مُكشوفة .
- الانهيار المعنوي: جمود القيادة الجديدة (هاشم صفي الدين) وخروجها ببيان وقف إطلاق النار الأول من نوعه منذ 2006- اعترافاً ضمنياً بأن "سلاح المقاومة" لم يعد قادراً حتى على حماية قادته .
هل انتهى عصر "المقاومة المسلحة"؟
الضربة الإسرائيلية لم تقتل نصر الله فقط، بل فكرة "الممانعة" نفسها. اليوم، يُدفع حزب الله مثل دبٍّ جريح- إلى ما وراء نهر الليطاني، حاملاً ورقة "وقف إطلاق النار" كتذكرة للبقاء السياسي.
السؤال الذي يُلاحق أنصاره:
هذه ليست نهاية حزب الله، لكنها ولادة قسرية لكيان منزوع الناب... فهل يصبح "حزب الظل" مجرد ذكرى في متحف الصراع العربي الإسرائيلي؟

1. الضغوط الدولية: الإجماع الإسرائيلي- الأمريكي والخليجي
- الورقة الأمريكية المشروطة: تدفع الولايات المتحدة عبر مبعوثها توماس باراك بجدول زمني صارم لنزع سلاح حزب الله، ربطاً بأي دعم مالي أو سياسي. وتصر على تطبيق القرارين الدوليين 1559 و1701 كشرط مسبق، متجاهلةً مطالبة لبنان الرسمية بضرورة انسحاب إسرائيل أولاً من التلال الخمس المحتلة (تلة اللبونة، جبل بلاط....) .
- الدور الخليجي "المكرمة السخية" المشروطة تعرض السعودية والإمارات حزمة استثمارات بقيمة 8.5 مليار دولار لإعادة إعمار لبنان، مشروطةً بثلاث مراحل: نزع سلاح حزب الله جنوب الليطاني (تم جزئياً)، ثم شمال النهر، وأخيراً ضمان الحدود الشرقية. هذا العرض يُستخدم كـ"ابتزاز اقتصادي" لدفع الحكومة اللبنانية لتنفيذ المطالب الدولية .
- الورقة العسكرية الإسرائيلية تواصل إسرائيل انتهاكاتها اليومية لاتفاق وقف إطلاق النار (2,740 خرقاً منذ نوفمبر 2024)، وتستغل احتلالها للتلال كذريعة لرفض الانسحاب الكامل، معتبرةً أن سلاح حزب الله يشكل تهديداً وجودياً لها .
2. الموقف اللبناني: انقسام داخلي وهشاشة سيادية
- الدولة اللبنانية تعترف بعجز متجذّر حيث يعترف الرئيس عون ورئيس الوزراء سلام بضرورة "حصرية السلاح بيد الدولة"، لكنهما يفتقران للأدوات التنفيذية. الجيش اللبناني، رغم انتشاره جنوباً، يعتمد على توازنات طائفية هشة، ويتهم بـ"تغطية أنشطة حزب الله" كما في حادثة شاحنة أسلحة الكحالة .
- الأحزاب المناهضة لحزب الله تستغل كتلة "الجمهورية القوية" (بزعامة القوات اللبنانية) الضغوط الدولية لتعزيز شرعيتها، وتدفع باتجاه تسريع نزع السلاح كمدخل للاستثمارات الخليجية .
- المبادرات الرمزية مبادرة وليد جنبلاط بتسليم أسلحة حزبه في المختارة إلى الجيش، تهدف لكسر الجمود الداخلي وتقديم نموذجٍ لـ"الدولة الحارسة للسلاح"، لكنها تظل إجراءً رمزياً أمام ترسانة حزب الله .
3. حزب الله : بين التمسك بالسلاح وتآكل الشرعية
- الرفض الاستراتيجي يُصر الحزب على أن سلاحه "مشروع وجودي" و"ضمانة ضد الاحتلال"، معتبراً أن نزعه خارج منطقة جنوب الليطاني خرقٌ للاتفاقات. الشيخ نعيم قاسم يؤكد أن الاتفاقية "تقصر نزع السلاح على جنوب النهر فقط" .
- التنازلات التكتيكية اضطر الحزب لتسليم 500 موقع عسكري جنوب الليطاني للجيش تحت الضغوط الميدانية والدولية، بعد خسارة 70% من صواريخه الدقيقة في الضربات الإسرائيلية .
- أزمة الشرعية الداخلية تراجعت شعبية الحزب إلى 30% (حسب استطلاع الباروميتر العربي)، وفقدت خطاباته "المقاومة" بريقها وسط انهيار الاقتصاد (انهيار الليرة، انعدام الكهرباء 22 ساعة يومياً).
4. انعكاسات القضية على فلسطين : بين التحرير والتوظيف
- مصير "محور المقاومة" نزع سلاح حزب الله يعني تفكيك آخر جدار عسكري قادر على ضرب عمق إسرائيل، مما يضعف الردع الاستراتيجي لـ"محور الممانعة" ويُفرغ القضية الفلسطينية من أدوات الضغط العسكري .
- سيناريو "غزة أخرى" يحذّر الرئيس الإيراني من أن فشل التسوية في لبنان قد يحوله إلى "نسخة ثانية من غزة"، حيث تُستخدم القوة المفرطة لـ"إخضاع" المقاومة تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب"، وهو نفس الخطاب المُستخدم لتبرير الإبادة في غزة .
- تشتيت الانتباه الدولي الضغوط المكثفة على لبنان لتنفيذ نزع السلاح تزامناً مع استمرار الإبادة في غزة، تُظهر محاولة أمريكية - إسرائيلية لتحويل الصراع الفلسطيني إلى قضية منعزلة، وإعادة تعريف "الأمن الإسرائيلي" كمعيارٍ وحيد للاستقرار الإقليمي .
5. التداعيات الإقليمية: حرب شاملة أم هدنة هشة؟
- التصعيد الميداني الغارات الإسرائيلية الأخيرة على النبطية (التي أسقطت شهيدةً مدنية) وتفجير منازل في حولا، تؤكد أن إسرائيل تستخدم "سياسة الأرض المحروقة" لدفع لبنان لقبول شروط نزع السلاح .
- الدور الإيراني المتراجع التصريحات الإيرانية (مثل إنكار وزير خارجيتها لأي تبعية لبنانية"إيران ليست لبنان") تشير إلى انكفاءٍ إقليمي، مما يُضعف قدرة حزب الله على المناورة .
- خطر الحرب الأهلية تصاعد تشكيل ميليشيات مسيحية مثل "جنود الرب" في الأحياء المسيحية، ينذر بانهيار الدولة لصالح "كانتونات طائفية"، خاصة إذا اندلعت مواجهات بين الجيش والحزب .
6. سيناريوهات المستقبل: السيادة مقابل الفوضى
- السيناريو الكارثي في ظل استمرار تعنت حزب الله وتمسكه بالسلاح قد يُفجّر غضباً سنياً ومسيحياً، بينما أي ضربة أمريكية – إسرائيلية للحزب قد تُحرك جبهات اليمن والعراق، مما يُلهي العالم عن إبادة غزة ويعمق الأزمة الإنسانية .
- تسوية هجينة وهي تحويل حزب الله إلى "كيان سياسي منزوع الدسم" مع احتفاظه بشبكته الخدمية (مستشفيات، مدارس)، مقابل انسحاب إسرائيل من التلال الخمس وضخ الاستثمارات الخليجية لكن هذا السيناريو يفترض تغييراً جوهرياً في عقيدة الحزب العسكرية .
الخاتمة
هل يُبادل لبنان سيادته ب"صكوك غفران" غربية؟
المعادلة اللبنانية لم تعد محليةً بل هي اختبارٌ لمستقبل الصراع العربي- الإسرائيلي
- الثمن الظاهر استثمارات خليجية قد تنعش اقتصاداً محتضراً.
- الثمن الخفي تقويض آخر قلعة قادرة على ردع إسرائيل، وتكريس "شرق أوسط جديد" تُحكم فيه تل أبيب خيوط الأمن والاقتصاد.
"السلاح الأنفع للأجيال المقبلة هو سلاح الذاكرة" — تصريح وليد جنبلاط يختزل المفارقة: هل ستتحول المقاومة من فعلٍ عسكري إلى تراثٍ متحفي؟ .
التساؤل الأكبر إذا تنازل لبنان عن ورقة الردع الأخيرة، فهل ستتوقف إسرائيل عن انتهاكاتها؟ التاريخ يجيب: لا سلام مع من يرى في القوة لغته الوحيدة. فهل تتحول دماء غزة وجنوب لبنان إلى مجرد فصولٍ في سجلّ انتصاراتٍ مزيَّفة ؟

 

باحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية

زر الذهاب إلى الأعلى