لقادة الإنتقالي : افهموا لا تجزئة لليمن .2
نعم ، فحتى اولئك المتحمسين لفكرة تقرير المصير ، ما زالوا في غيهم يعمهون ، رهانهم على حسابات وتقديرات خاطئة ، لا يستسيغون صوتًا مخالفًا لصوتهم المغرد في مساحة ضائقة بالشعارات والخطابات المنمقة .
الجنوب الذي يتغنون به لا متسع فيه الان لغير الموت والخوف والفقر وفقدان الثقة ، ومع زيادة كثافة اليائسين والمحبطين من معاناة واعباء الحياة عليهم ، هناك ثمة ممانعة ورفض لأي تعاطي مع وقائع أزمات مزمنة أو طارئة ، بواقعية ودونما شطط أو نزق أو عناد .
ففي حال تم استفتاء الجنوبيين على فكرة استعادة الدولة الجنوبية ، أظن أن الغالبية الساحقة لن تصوت لفك الارتباط ، وستصوت ب " نعم " للبقاء في دولة يمنية عادلة ومنصفة للجميع .
وهذه نعم ، لم تأت من فراغ ، وإنما هي نتاج تجربة قاسية ، وخشية من المضي إلى المجهول وبذات الوتيرة والعاطفة التي دفعت بهم في العام ١٩٩٠م إلى وحدة اندماجية غير مدروسة .
والان يجدون أنفسهم في خضم واقع أكثر مرارة ، وأكثر سوءة ومعاناة ، خوف ينتابهم من تكرار الامس ، ويوما عن يوم يخسر الإنتقالي ، وتخسر المكونات الجنوبية .
لهذه الاسباب يجب على هؤلاء القادة إدراك أن حاضنتهم الشعبية لم تعد هي ذاتها ، ما يتوجب منهم الاستيقاظ من خِدر المظلومية السياسية ، فالنَّاس تخاف دفعها نحو المجهول وبلا بصيرة أو حكمة أو أمان .
ما هو متاح وممكن لا يتعدى أمرين أثنين ، إما مقاربة سياسية من أي نوع تحفظ الإنتقالي والجنوب وتحفظ اليمن ، وأما بالاستمرار على المنوال الخادع والمضلل للقادة والأتباع .
وكلا الخيارين ، المقاربة أو الاستمرار ، بكل تأكيد لكل منهما كلفته الباهظة ، لكنهما على الأقل أفضل من اللاشيء .
وكلاهما سيحرران الإنتقالي من التزامات لا يقدر عليها في واقع تسوده الحرب أو الفوضى ، فضلا وهذا هو المهم تعقيدات وطنية وإقليمية ودولية .
والمؤسف أن الخيارين لهما ارتباط وثيق بحياة الناس ، فدونما مقاربة سياسية لا يُمكن الحديث عن إنفراجة اقتصادية أو خدمية أو اي معالجة للحالة العبثية الراهنة .
الأعوام الفارطة كانت كافية للحكم ولمعرفة التحديات الماثلة المعيقة لاستعادة الدولة الجنوبية المستقلة ، فهذه الدولة لا تُبنى بمجرد سيطرة عسكرية وأمنية على عدن وجوارها، أو بامتلاك سلطةٍ على مساحة جغرافية معينة.
فثمة حربٌ وانقلابٌ، وثمة قرارات دولية، وثمة مسار سياسي يستند إلى المبادرة الخليجية وقرارات مؤتمر الحوار، ويعتمد على دعم أغلب دول العالم –بما فيها دول الرباعية (أمريكا، روسيا، وحتى السعودية والإمارات الداعمتَينِ الرئيسيتَينِ للسلطة الشرعية بمكوناتها المختلفة المتنافرة).
نعم، لا المكان ولا الوقت للحديث عن تجزئة اليمن – على الأقل في الظروف القائمة منذ عشرة أعوامٍ ويزيد – فكما قيل: "لو أن ثمة شمسًا لكانت أمس".
الحل – من وجهة نظري – ينبغي أن يبدأ بالإقرار بالمشكلة ؛ فإذا أقرت المكونات الجنوبية مجتمعةً بصعوبة استعادة الدولة الجنوبية، فهذا سيكون بداية انفراجةٍ وفاتحة علاج.
ما دام العقل السليم في إجازةٍ مفتوحة ، فإن الشيء المفزع هو ديمومة حالة " لا وحدة ولا تجزئة " ، وما من شك أن مغادرة هذه الحالة يستلزمه تغيير المسار .
فإذا كان المسار هو المسار ، والمسافة هي المسافة ، والإداة هي الأداة ؛ فلا العقل أو المنطق يجعلك تنتظر نتيجة مغايرة .
لابد من فهم وإدراك أن تسويق الوهم وتضليل العوام بخطابات ووعودٍ تتصادم مع رؤية الدولة اليمنية الاتحادية ، بمضامينها المتوافق عليها في مؤتمر الحوار الوطني ؛ لا يعني غير تفاقم الأزمات ، والإمعان في إذلال من يفترض إنقاذهم أو تحقيق العدالة لهم .
فالتعاطي مع القضايا المصيرية بالعناد والمكابرة والتضليل يجب أن يتوقف؛ فكلُّ مقدمة خاطئة لن تُفضي إلَّا إلى نتائج كارثية . فلا انفصال أو وحدة بالقوة أو يمكن تحقيقهما في زمن الحرب أو الفوضى الناتجة عن غياب الدولة.
وحالنا الآن هو نتيجة بديهية لهذا المسار الخاطئ الذي ظنَّ دعاته أنه الخيار المثالي لتحقيق تطلعاتهم السياسية ، غافلين أنه لا مسار آخر سيحظى بدعمٍ إقليمي ودولي خارج الإطار الذي وُضع لليمن قبل الانقلاب وبعده."
محمد علي محسن