المعارضة المعلبة : انتقادات بلا أنياب في مناطق المليشيات الحوثية
تظهر بين الحين والآخر أصوات من داخل مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية ، سواء لشخصيات عامة أو قبلية أو سياسية أو ثقافية ، تنتقد ممارسات الحوثيين أو تشير إلى بعض اختلالاتهم ، وفي المقابل تسارع بعض وسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة الشرعية إلى إبراز هذه الأصوات وكأنها استفاقت من سباتها ، أو عادت إلى جادة الصواب ، وأحيانا تقدّم وكأنها مقدمة لانشقاق وشيك عن صفوف الميليشيات الحوثية ، هذا التناول في كثير من الأحيان ، يعكس قراءة سطحية وضيقة للواقع ، ويتجاهل طبيعة السيطرة الأمنية الحوثية ، وآليات إدارة المجال العام في مناطق نفوذها .
الواقع الميداني يؤكد أن الحوثيين يمارسون قبضة أمنية صارمة على كل الشخصيات الناشطة أو ذات الحضور السياسي والاجتماعي ، سواء كانت منضمة للميليشيات أو متعاونة معها ، بما في ذلك من أُتيح لها دور سياسي أو اجتماعي أو إعلامي محدود داخل المنظومة ؛ فالميليشيات الحوثية لا تمنح تلكم الشخصيات ثقتها الكاملة ، بل تبقيها تحت انظارها ، وتتعامل معها بقاعدة الاستخدام المؤقت وفق الحاجة ، مع استعداد دائم للتخلص منها متى ما انتهت صلاحيتها !
ما تسمح به المليشيات الحوثية من نقد داخل مناطق سيطرتها ، لا يتجاوز في العادة ملاحظات حول الفساد الإداري ، أو انتقادات جزئية لاحتكار الموارد من قبل طبقة معينة ، أو شكاوى من التضييق على الحريات ، وغالبا ما يقدم النقد بلغة رمزية أو مبطنة ، وبأسلوب يحول دون استفزاز الأجهزة الأمنية ، أما الخطوط الحمراء التي لا يسمح بتجاوزها فتشمل : نقد الفكر الأيديولوجي الحوثي أو منطلقاته العقائدية ، والتعرض لقيادات الصف الأول ، خصوصا من هم من الأسر الهاشمية ، والتشكيك بشرعية سلطة الميليشيات نفسها .
من الصعب جدا حدوث انشقاق فعلي لشخصيات ذات وزن سياسي أو اجتماعي من مناطق سيطرة الحوثيين ، يعزو ذلك لبطش المليشيات الحوثية ، التي لا تتسامح مع أي خروج فعلي عن سلطتها ، خصوصا من الشخصيات المؤثرة ، إضافة إلى الخوف على المصير الشخصي والعائلي ؛ فالانشقاق يعني المخاطرة بالحياة وبمصير الأسرة ، وأيضا حسابات المصلحة ؛ فكثير من الراغبين في الانضمام إلى صفوف الشرعية يريدون الحفاظ على مواقعهم الاجتماعية والسياسية ، أو الحصول على امتيازات مالية وسلطوية تعوضهم عن خسارتهم في مناطق الحوثيين .
التعامل الإعلامي من قبل إعلاميي السلطة الشرعية الذي غالبا ما يتسم بالتضخيم من حجم وتأثير تلك الأصوات ، ويصورها كبداية لانهيار وشيك للحوثيين ، يمثل شكلا من التضليل السياسي ، الذي قد ينقلب عكسيا على الشرعية ، عبر خلق توقعات وهمية لدى الشارع ثم إحباطه لاحقا ، عبر الخلط بين النقد الداخلي المسموح به الذي يخدم أحيانا الحوثيين لإظهار صورة التنوع ، وبين الانشقاق الفعلي المكلف أمنيا وشخصيا .
الموقف الأمثل للتعامل مع المنشقين هو الترحيب بمن يترك الحوثيين وينضم للشرعية ، والتعامل معهم كمواطنين ، لهم ما لهم ، وعليهم ما عليهم ، بعد الاعتراف بأخطائهم ، دون منحهم مواقع قيادية أو امتيازات سلطوية ، فمنح المناصب على حساب المخلصين للشرعية يعد خطأ استراتيجيا ، ويفسر بأنه مكافأة لمن تعاون مع الحوثيين .
ظهور أصوات ناصحة أو منتقدة في مناطق الحوثيين لا يعني بالضرورة بداية انهيار المنظومة ، او ان تلك الأصوات صادقة ، في الغالب تلكم الأصوات تتحرك ضمن مساحة محدودة تسمح بها الميليشيات الحوثية ؛ إما لتنفيس الاحتقان أو لإيصال رسائل داخلية وخارجية ، كما ان التوظيف الإعلامي غير الواعي لهذه الظاهرة ؛ يضر بمصداقية الخطاب الإعلامي المناهض للمليشيات الحوثية ، ويغذي الأوهام على حساب التحليل الواقعي ، المطلوب هو فهم ديناميكيات السيطرة الحوثية على المجتمع ، وآليات ضبط المجال العام ، بدلا من الاكتفاء بتفسير أي صوت ناقد على أنه مؤشر لتغيير جذري ووشيك .