فضيحة الوقود في تعز : نزيف اللترات وشبكة الاستنزاف المنظم !
في مدينة تعز التي ترزح تحت وطأة الحرب والحصار والأزمات المعيشية الخانقة ، لم يعد الغش في محطات الوقود مجرد مخالفات فردية أو تجاوزات عابرة ، ما يجري سرقة مباشرة من قوت المواطن ، عبر أساليب دقيقة للتلاعب بالكميات ، وتحويل الخدمة إلى أداة استنزاف اقتصادي ، في وقت يئن فيه السكان من ضيق الحال .
هذه الممارسات التي تكشف عنها الحملات الرقابية بين الحين والآخر ، تؤكد أن الفساد لم يعد هامشيا ، بل أصبح جزءا من آلية إدارة الحياة اليومية في قطاع حيوي مثل الوقود ، الحملات التفتيشية الأخيرة ، التي نفذتها لجان مشتركة تضم مكاتب الصناعة والتجارة والأجهزة الأمنية ، كشفت عن مخالفات صارخة : محطة تم ضبطها تعبئ 17.5 لترا فقط مقابل 20 لترا مدفوعة الثمن ، أي نقص بنسبة 12.5% في كل تعبئة ، هذه الأرقام التي قد تبدو للبعض هامشية ، تتحول في الواقع إلى خسارة جماعية ضخمة إذا ما تم حسابها على مستوى المدينة كاملة ، فضلا عن كونها جريمة اقتصادية تمس حياة كل سائق وكل أسرة .
لم تعد عمليات الغش تعتمد فقط على مهارات بدائية في تعديل العدادات أو التلاعب في التعبئة ، بل انتقلت إلى استخدام عدادات إلكترونية متطورة قادرة على إعطاء قراءة مضللة للمستهلك ، هذا التطور يعكس التنظيم الممنهج لممارسات الغش ، والعجز النسبي للأدوات الرقابية التقليدية عن كشف الأساليب الحديثة في الغش والتحايل ، الجهات المختصة في تعز تعاني من نقص الكوادر المدربة وضعف الإمكانيات الفنية واللوجستية ، وغياب آليات متابعة صارمة ، هذا الضعف يمنح المخالفين شعورا بالإفلات من العقاب ، ما يجعل الغش خيارا مربحا ، ويفتح المجال لملاك المحطات لتعظيم الأرباح عبر الغش ، مستغلين حاجة الناس الملحة وعدم وجود بدائل منافسة .
المشكلة ليست في غياب النصوص التي تجرم الغش التجاري ، والتلاعب بالأوزان والمقاييس والكميات ، بل في ضعف تنفيذها وتطبيق العقوبات ، وعدم وجود متابعة لاحقة لضمان عدم عودة المحطات المخالفة للعمل بالأساليب نفسها ، الإجراءات الحالية تشمل حملات تفتيش ، إغلاق محطات مخالفة، إحالة القضايا للنيابة ، ومرافقة أمنية للفرق الرقابية ، لكنها غالبا ما تكون موسمية وردود فعل آنية بعد تفجر الشكاوى ، وليست جزءا من سياسة رقابية مستمرة ، والمطلوب هو تحويل الحلول من ردة الفعل إلى استراتيجية مستدامة ، عبر تحديث أدوات الرقابة ، وتشديد العقوبات على المخالفين ، ووجود تكامل وتنسيق مؤسسي بين السلطة المحلية وشركة النفط والأمن والنيابة ، فحين يشعر المواطن أن الدولة تحميه ، وأن كل لتر يدفع ثمنه يصل إليه كاملا ، يمكن الحديث عن استعادة الثقة وبناء قطاع وقود عادل وشفاف ، يكون جزءا من ركائز الاستقرار الاقتصادي والخدمي ، لا أداة من أدوات النهب والغش والتزوير والتربح الغير المشروع .