الاعتقالات المتكررة للصحفيين في مناطق السلطةالشرعية : الأسباب والدلالات
في الآونة الأخيرة شهدت بعض المحافظات المحررة من انقلاب المليشيات الحوثية سلسلة من الحوادث ، التي وضعت الصحفيين في مواجهة مباشرة مع السلطات المحلية والأجهزة الأمنية ؛ فقد تكررت حالات اعتقال صحفيين ، واقتحام منازلهم ، ومصادرة هواتفهم وأجهزتهم المحمولة ، وصولا إلى إحالة بعضهم إلى النيابة ، هذه الحوادث المتكررة تثير أسئلة ملحة حول أسبابها الحقيقية ، ولماذا تتجدد بين فترة وأخرى .
من الواضح أن هذه الممارسات لا تشمل جميع الصحفيين على قدم المساواة ، فالمستهدف غالبا هم الصحفيون المستقلون ، الذين لا يخضعون لسلطة تيار سياسي بعينه ، ولا ينسجمون مع توجهات القوى المسيطرة على المحافظة ، هؤلاء ينظر إليهم كأشخاص مزعجين أو غير منضبطين ، خصوصا حينما ينتقدون أداء الأجهزة الأمنية والعسكرية أو يسلطون الضوء على تجاوزات بعض القيادات النافذة ؛ أما الصحفيون الذين يصطفون إلى جانب السلطة المحلية أو القوى السياسية المسيطرة ، فقلما يتعرضون لمضايقات أو اعتقالات .
لا يمكن فصل هذه الظاهرة عن طبيعة المشهد السياسي في المحافظات المحررة ، فالصحفي الذي يصنف – حتى دون انتماء صريح – على أنه قريب من طرف سياسي منافس ، يصنف سريعا في خانة الخصم ، ومن ثم يصبح عرضة للاستهداف ، وكأن عمله الصحفي هو امتداد لصراع النفوذ القائم ، وبهذا تتحول الصحافة المستقلة إلى الضحية الأبرز لهذا التجاذب السياسي .
البعد الأمني والعسكري حاضر أيضا في هذه الظاهرة ؛ فبعض المحافظات تعيش أوضاعا حساسة تجعل السلطات أكثر توجسا من أي صوت ناقد ، إلى درجة التعامل مع النقد وكأنه تهديد أمني مباشر أو عمل تخريبي ، وإلى جانب ذلك ، فإن كثيرا من القيادات الأمنية والعسكرية الحالية صعدت إلى مواقعها في ظروف الحرب ضد الحوثيين ، دون امتلاك خبرة مهنية كافية في إدارة العلاقة مع المجتمع المدني أو الصحافة ، هذا الصعود المفاجئ والمسنود سياسيا انعكس في ممارسات متسرعة وغير احترافية تجاه الصحفيين .
من الطبيعي أن تسعى أي سلطة محلية أو جهاز أمني للحفاظ على الأمن والاستقرار ، ومراقبة الأنشطة التي قد تهدد السلم العام ، لكن الخطأ يكمن في وضع جميع الأصوات الناقدة في خانة الخصومة أو التآمر ، فهذا الخلط يفاقم حالة الاحتقان ، ويشوه صورة السلطات محليا وخارجيا ، بل ويُفقدها رصيدها من الشرعية الشعبية .
إن أبرز العوامل التي تؤدي إلى تكرار الاعتقالات والانتهاكات ضد الصحفيين في مناطق السلطة الشرعية : غياب الحياد داخل بعض الأجهزة الأمنية ، وضعف الخبرة لدى القيادات الطارئة ، والنظرة المسبقة لكل صوت مستقل على أنه خصم سياسي ، ومن ثم فإن مواجهة هذه الإشكالية تتطلب نشر ثقافة احترام حرية الصحافة ، وبناء جسور تواصل شفافة بين الصحفيين والأجهزة الأمنية ، بحيث يتحقق الأمن دون التضييق على الحق في النقد والرقابة .