عبوة ناسفة في شارع جمال : تعز بين المجرمين والحوثيين

Author Icon عبد الواسع الفاتكي

أغسطس 22, 2025

شهدت مدينة تعز صباح اليوم الخميس ٢١ أغسطس ٢٠٢٥م حادثة مروعة تمثلت في اغتيال المقدم عبد الله النقيب ، قائد الحملة الأمنية السابقة في المدينة ومدير أمن مديرية التعزية ، عبر زرع عبوة ناسفة في سيارته بمنطقة بالقرب من جولة العواضي في شارع جمال ، وأسفر التفجير عن مقتله ، ليعيد إلى الواجهة مجدداً ملف الاغتيالات التي غابت لفترة عن المحافظة .

يجمع عدد من المختصين الأمنيين على أن هذه الجريمة تكشف عن تطور خطير في أسلوب عمل الجماعات الإجرامية في تعز ، فاستهداف شخصية أمنية بهذا الشكل يعكس قدرة منفذي الجريمة على الوصول إلى القيادات الأمنية ، ويؤكد أن المجرمين لم يعودوا مجرد أفراد منفلتين ، بل شبكات منظمة تسعى لإحداث خرق أمني واسع وتقويض حالة السكينة العامة في المحافظة .

إن اغتيال شخصية أمنية كالنقيب ، لا يمكن فصله عن طبيعة عمله السابق في قيادة الحملات الأمنية وملاحقة المطلوبين ، فاستهداف القيادات الأمنية غالباً ما يرتبط بدورهم في الحد من حرية المجرمين ، وتعطيل أنشطتهم غير المشروعة ، وبالتالي، فإن الجريمة تحمل رسالة واضحة مفادها أن كل شخصية أمنية تعمل على فرض النظام والقانون قد تصبح هدفاً محتملا .

يرى بعض المراقبين أن مثل هذه العمليات تقف خلفها شبكات إجرامية محلية تشعر بأن القبضة الأمنية تضيق الخناق على أنشطتها ، بينما يذهب آخرون إلى أبعد من ذلك ، معتبرين أن وراء هذه العمليات خلايا نائمة مرتبطة بالحوثيين ، تسعى لزعزعة الاستقرار في المدينة ، خصوصا أن المليشيات الحوثية هي المستفيد الأول من إضعاف الأجهزة الأمنية في تعز وإشغالها بصراعات داخلية .

وتعزز هذه الفرضية حوادث مشابهة وقعت مؤخرا ، مثل زرع عبوة ناسفة استهدفت طقما عسكريا في منطقة التربة ، ما يوحي بوجود مخطط يهدف إلى إغراق تعز في دوامة التفجيرات والاغتيالات وإرباك المجتمع المحلي .

المدينة التي شهدت خلال الأشهر الماضية حالة من الاستقرار النسبي ، تعود اليوم إلى أجواء الخوف والترقب ، فالجريمة تحمل مؤشرا مقلقا على إمكانية عودة موجة الاغتيالات والتفجيرات التي غابت عن المشهد في الآونة الأخيرة ، وإن ترك مثل هذه الحوادث دون كشف ملابساتها أو ملاحقة منفذيها ، قد يفتح الباب واسعا أمام تكرارها ويضرب ثقة المجتمع في قدرات الأجهزة الأمنية .

إن مواجهة مثل هذا الخطر يتطلب حزمة من الإجراءات الأمنية العاجلة والحاسمة، من أبرزها : تعزيز العمل الاستخباراتي والأمني لرصد أي تحركات مشبوهة قبل وقوعها ، وتوسيع شبكة كاميرات المراقبة في مختلف شوارع وأحياء المدينة ، وتكثيف الدوريات الأمنية لتأمين الأحياء والمراكز الحيوية ، وحظر حمل السلاح داخل المدينة إلا لرجال الجيش والأمن وبالزي الرسمي أثناء تأدية المهام ، وتفعيل دور المجتمع المحلي عبر مساندة الأجهزة الأمنية والإبلاغ عن أي أنشطة أو أشخاص يثيرون الشبهات.

والأهم في هذه المرحلة هو ألا تسجّل هذه الجريمة ضد مجهول ، إذ إن كشف خيوط الجريمة ، والقبض على منفذيها ، وتقديمهم للعدالة ، سيعزز ثقة المواطنين في الدولة والأجهزة الأمنية ، ويبعث برسالة قوية بأن تعز لن تكون ساحة مفتوحة للاغتيالات والتفجيرات ، اغتيال المقدم عبد الله النقيب ليس مجرد حادثة جنائية معزولة ، بل هو مؤشر على محاولة قوى معادية ، داخلية أو خارجية ، تريد جر تعز إلى مربع الفوضى ، وهو ما يفرض على الأجهزة الأمنية والسلطة المحلية ، بدعم من المجتمع ، التحرك بجدية وحزم لحماية المدينة وصون استقرارها ، وإلا فإن تعز ستكون أمام مرحلة جديدة من التوترات التي تهدد أمنها ومستقبلها .

 

زر الذهاب إلى الأعلى