المولد النبوي في اليمن: بين التوظيف السياسي وصناعة الطائفية
يُعدّ المولد النبوي الشريف مناسبة دينية عابرة للطوائف والمذاهب الإسلامية، تعكس وحدة الأمة في محبة الرسول ﷺ واستحضار قيمه العالمية القائمة على الرحمة والعدل. غير أنّ التجربة اليمنية المعاصرة تُظهر انحرافًا خطيرًا في طبيعة هذا الاحتفال، بعد أن جرى استثماره من قِبل جماعة الحوثي لتحويله إلى أداة للشرعنة السياسية، وتثبيت أيديولوجيتها المستوردة من التجربة الإيرانية، في مشهد يهدّد الهوية الوطنية ويُعيد تشكيل اليمن كنسخة مشوّهة من نموذج "ولاية الفقيه" في طهران.
أولاً :التوظيف السياسي للمولد النبوي
منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014، ارتفعت وتيرة استغلال المناسبات الدينية الكبرى، وفي مقدمتها المولد النبوي. فقد تحوّل الاحتفال من مناسبة روحية إلى عرض سياسي ضخم يُوظَّف لإبراز القوة الجماهيرية للجماعة، عبر الحشد الميداني واستعراض السلاح والخطاب التعبوي.
تُنفق مليارات الريالات على مظاهر الاحتفال في وقت يعاني فيه اليمنيون من انهيار اقتصادي وانقطاع المرتبات.
تُفرض جبايات تحت مسمى "دعم المولد"، ما يعكس البعد الاقتصادي للسيطرة.
تتحوّل الخُطب الدينية في الفعالية إلى منابر لترويج شعارات "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل"، بدلًا من استدعاء السيرة النبوية، في مشهد ينسجم تمامًا مع خطاب الثورة الإيرانية.
بهذا، يتحول المولد النبوي من حدث ديني جامع إلى أداة للشرعية الثورية الحوثية، التي تستعير الكثير من المقولات والشعارات الإيرانية.
ثانيًا: صناعة الطائفية وإعادة إنتاج الانقسام
تُظهر الدراسات الأكاديمية أنّ اليمن تاريخيًا لم يعرف صراعًا طائفيًا عميقًا، بل كان التعايش بين المذاهب – الشافعي والزيدي بالأساس – هو السمة الغالبة. لكن مع تصاعد الحرب، استدعى الحوثيون الخطاب الطائفي كأداة تعبئة.
تشير Grimshaw Review (2023) إلى أن الطائفية في اليمن لم تكن سببًا مباشرًا للصراع، لكنها صارت وسيلة لتعبئة الجماهير وإعادة صياغة معسكرات الولاء (Grimshaw Review, 2023).
يؤكد فarea المسلماني أن الحوثيين عمدوا إلى تكريس الانقسام المذهبي عبر خطاب يطعن في رموز الصحابة وأمهات المؤمنين، ويعيد إحياء صراعات تاريخية لفرض أيديولوجيتهم (Al-Muslimi, 2021).
تقرير SEPAD (2020) يصف الحرب اليمنية بأنها ليست "صراعًا سنيًا-شيعيًا" في جذورها، بل حربًا على السلطة استُوردت إليها الطائفية كمنتَج سياسي من تجارب إقليمية، وعلى رأسها النموذج الإيراني (SEPAD, 2020).
النتيجة: تحوّل الطائفية من ظاهرة غائبة نسبيًا في المجتمع اليمني، إلى أداة ممنهجة للسيطرة الحوثية، بما يعمّق الانقسام الوطني ويهدّد وحدة الدولة.
ثالثًا: ربط اليمن بالنموذج الإيراني
لا يمكن فهم المشهد اليمني دون استدعاء دور إيران كداعم رئيسي لمليشيات الحوثي. فالتشابه بين الخطاب الحوثي والخطاب الإيراني في عدة نقاط يُظهر كيف تتحول اليمن إلى نسخة "مصغّرة" من طهران:
●. الشعارات السياسية: شعار "الموت لأمريكا" الذي أطلقه الحوثي هو ذاته الذي صاغته الثورة الإيرانية.
●. الاحتفال بالمناسبات: تحويل المناسبات الدينية إلى مظاهر سياسية/ثورية، مثل "يوم القدس" في إيران يقابله تضخيم المولد النبوي في اليمن.
●. الولاية الدينية: إعادة إنتاج فكرة القيادة الدينية المطلقة، وتقديم الحوثي باعتباره "قائدًا ملهمًا"، بما يوازي موقع المرشد الإيراني.
●. السيطرة على الاقتصاد: كما تُوظف طهران الخطاب الديني لشرعنة الجبايات، يوظف الحوثي المولد النبوي كأداة لنهب موارد المجتمع.
بهذا، يسعى الحوثي لخلق نظام مشابه للنموذج الإيراني، حيث تتماهى الدولة مع العقيدة الثورية، وتُدار السلطة باسم الدين، بينما يُقصى الآخرون سياسيًا واجتماعيًا.
رابعًا: الاقتصاد السياسي للمولد النبوي
بعيدًا عن البعد الرمزي، أصبح المولد النبوي جزءًا من معادلة الاقتصاد السياسي للحرب:
الجبايات القسرية: تُفرض على التجار والمواطنين تحت ذريعة "دعم المولد".
توزيع الموارد: تُوظف الأموال في الاستعراض السياسي بدلًا من الخدمات العامة.
إفقار المجتمع: تزداد معدلات الفقر، بينما تُستخدم موارد الدولة في فعاليات مذهّبة.
هذا النمط يُعيد إنتاج العلاقة بين الدين والاقتصاد على غرار التجربة الإيرانية، حيث تُستنزف الموارد العامة في تعزيز الولاء للنظام السياسي-الديني.
خامساً التداعيات المستقبلية
■. تفكك الهوية الوطنية: إذ يترسّخ خطاب الهوية المذهبية على حساب الانتماء اليمني الجامع.
■. تآكل شرعية الدين: بسبب استغلاله كغطاء للنهب السياسي والاقتصادي.
■. تدويل الصراع: إذ تتحوّل اليمن إلى ساحة تنافس إقليمي بين إيران والدول المناوئة لها.
■. إعادة إنتاج الاستبداد: حيث يُعاد تشكيل سلطة دينية مطلقة على النمط الإيراني، ما يُقوّض فرص بناء دولة مدنية جامعة.
خاتمة
المولد النبوي في اليمن لم يعد مناسبة دينية جامعة، بل صار أداة مركزية في مشروع الحوثي السياسي والفكري، الهادف إلى إعادة صياغة اليمن كنموذج مطابق لطهران. وهنا تكمن الخطورة: فاستغلال الدين لإعادة إنتاج السلطة يفتح الباب أمام انقسام دائم، ويفرغ القيم النبوية من مضمونها الحقيقي. المطلوب اليوم هو إعادة الاعتبار للبعد الروحي والوطني للمولد، وكسر حلقة التوظيف الحوثي التي تُعيد إنتاج الطائفية وتربط اليمن بمشروع خارجي لا يخدم استقراره ولا مستقبله.
---
المراجع (APA)
Al-Muslimi, F. (2021). Sectarianism and conflict in Yemen. Retrieved from https://almuslimi.net/4630/
Grimshaw Review. (2023). Sectarianisation of Yemen: Effects and Implications. Grimshaw Review, London School of Economics. Retrieved from https://grimshawreview.lse.ac.uk/articles/13
SEPAD. (2020). The Yemen War: A Proxy Sectarian War? SEPAD Report. Retrieved from https://www.sepad.org.uk/report/the-yemen-war-a-proxy-sectarian-war