الهجوم الإسرائيلي على الدوحة: قراءة في السياق والدلالات

Author Icon الدكتور |● عبد القادر الخلي

سبتمبر 10, 2025

شهدت المنطقة حدثاً استثنائياً تمثّل في الهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة، في خطوة أثارت كثيراً من التساؤلات حول أبعادها ودلالاتها السياسية. أهمية هذا الحدث لا تكمن في طبيعته العسكرية فحسب، بل في توقيته وسياقه المرتبط بتطورات ميدانية داخل فلسطين المحتلة، ما يمنحه بعداً استراتيجياً أوسع يتجاوز حدود المواجهة التقليدية.

أولاً: السياق المباشر للهجوم

جاءت الضربة عقب سلسلة عمليات نوعية نفذتها المقاومة الفلسطينية، كان أبرزها عملية فردية في القدس أدت إلى مقتل ستة إسرائيليين، إلى جانب نجاح سرايا القدس في استهداف مركبة عسكرية إسرائيلية داخل قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل أربعة جنود. مثلت هذه التطورات ضربة قاسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وجد نفسه أمام مأزق داخلي يتمثل في اهتزاز صورة الردع الإسرائيلي، فحاول استعادة المبادرة عبر عملية استخباراتية–عسكرية خارجية حملت طابعاً استعراضياً أكثر مما حملت من مضمون فعلي.

ثانياً: البعد الاستراتيجي للهجوم

إن استهداف الدوحة يمكن قراءته ضمن مسار أوسع لإعادة رسم "خريطة الشرق الأوسط الجديد"، حيث تسعى إسرائيل إلى توسيع نطاق المواجهة خارج الأراضي الفلسطينية عبر إظهار قدرتها على ضرب أهداف في عمق العواصم العربية. هذا التحول يعكس نزعة إسرائيلية لتكريس حضورها كقوة إقليمية قادرة على فرض قواعد جديدة للعبة السياسية والأمنية في المنطقة.

ثالثاً: الدلالات السياسية

●. أزمة الردع الإسرائيلي: يبرز الهجوم كرسالة مزدوجة: من جهة يهدف إلى تعويض الفشل أمام المقاومة الفلسطينية، ومن جهة أخرى يسعى لإعادة تعريف ساحات الصراع بما يتجاوز حدود فلسطين.

●. البعد الرمزي للهجوم: يكشف الحدث عن اعتماد إسرائيل على منطق "النصر الرمزي" لتعويض خسائرها الميدانية، وهو ما يضعف مصداقية سرديتها الأمنية.

●. إعادة تشكيل البيئة الإقليمية: تعكس الضربة الانتقال من المواجهة المباشرة مع الفصائل الفلسطينية إلى استراتيجية أوسع قوامها توظيف العمليات الخارجية كأداة لإعادة إنتاج خريطة النفوذ في الشرق الأوسط.

رابعاً: غزة كخط الدفاع الأول

من الضروري التأكيد على أن غزة تمثل خط الدفاع الأول عن الأمة العربية والإسلامية. فإذا ما سقطت غزة وانتهت المقاومة الفلسطينية، فإن الدور سيأتي على مصر والأردن باعتبارهما الدولتين العربيتين الأكثر ارتباطاً جغرافياً وأمنياً بالصراع. إن استمرار المقاومة في غزة ليس مجرد قضية فلسطينية داخلية، بل هو عامل استراتيجي لحماية الأمن القومي العربي برمته.

خامساً: إسرائيل كذراع عسكري للولايات المتحدة

يُبرز الحدث كذلك محدودية ما يُسمى بالتحالف العربي–الأمريكي ليس للدفاع عن امن المنطقة، إذ أن إسرائيل ذاتها تمثل الذراع العسكري للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط. وبالتالي، فإن أي رهان عربي على واشنطن في موازنة النفوذ الإسرائيلي يفتقد الواقعية، بل يعكس قصوراً في فهم طبيعة العلاقة البنيوية بين الطرفين، حيث تتكامل المصالح الاستراتيجية ولا تتعارض.

سادساً: المستفيد الإقليمي – حالة جماعة الحوثي

من أبرز المستفيدين من الهجوم على الدوحة كانت جماعة الحوثي، التي تسعى منذ سنوات لتقديم نفسها باعتبارها في مواجهة مباشرة مع إسرائيل. فقد استغلت الحدث وأعلنت عن إطلاق صاروخ باتجاه الأراضي المحتلة، في خطوة تهدف بالأساس إلى تعزيز حضورها الإقليمي والدولي أكثر من كونها عملاً عسكرياً ذا تأثير فعلي. هذه الاستراتيجية تعكس إدراك الحوثيين لقيمة الرمزية السياسية في سياق الصراع، واستخدام القضية الفلسطينية كوسيلة لشرعنة موقعهم وتعزيز خطابهم أمام الداخل والخارج.

خاتمة

إن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة لا يمكن اعتباره مجرد عملية عسكرية محدودة، بل هو مؤشر على تحولات عميقة في الاستراتيجية الإسرائيلية وفي ديناميات الصراع في الشرق الأوسط. فهو جاء كرد فعل على ضربات المقاومة الفلسطينية التي أربكت الداخل الإسرائيلي، لكنه في الوقت ذاته يمثل محاولة لرسم ملامح "شرق أوسط جديد" تقوم فيه إسرائيل بدور القوة الضاربة العابرة للحدود. وتؤكد قراءة الحدث أن غزة ليست مجرد ساحة فلسطينية، بل خط الدفاع الأول عن الأمة العربية والإسلامية، وأن استمرارها هو الضمانة الأساسية لمنع انتقال الصراع إلى مصر والأردن ودول عربية أخرى. كما يثبت أن إسرائيل ليست سوى الذراع العسكري للولايات المتحدة في المنطقة، الأمر الذي يُفقد التحالف العربي–الأمريكي قيمته الواقعية. وفي الوقت ذاته، يبرز أن الفاعلين غير الدولتيين – مثل جماعة الحوثي – قادرون على استغلال مثل هذه الأحداث لتعزيز حضورهم السياسي والإعلامي، حتى وإن كان تأثيرهم العسكري محدوداً.

زر الذهاب إلى الأعلى