مقتل افتهان لم تكن حادثة فردية معزولة

Author Icon عبد الناصر للمودع

سبتمبر 22, 2025

‏يتحدث الكثير من الإصلاحيين عن وجود أطراف تحاول استغلال مقتل افتهان لتصفية حسابات مع حزب الإصلاح، لإضعاف مكانته وتشويه سمعته.

وهذا صحيح، لكنه أمر طبيعي ومتوقع، فهذه هي القاعدة الأولى في الصراع السياسي: كل طرف يسعى للاستفادة من أخطاء خصومه. وهذا ما يفعله الإصلاح نفسه، وما يفعله المؤتمر، والانتقالي، والاشتراكي، وجميع القوى السياسية في العالم. ففي عالم السياسة، لا أحد يهدر فرصة توظيف خطأ خصمه لصالحه.

لكن هذه ليست المشكلة. المشكلة الحقيقية أن جريمة مقتل افتهان لم تكن حادثة فردية معزولة، ولا جريمة عابرة، بل هي ذروة لمسار طويل من الجرائم التي جسدت نهجًا مستمرًا من الاستهتار بحياة الناس وأمنهم، لحساب عصابات إجرامية مارست جرائمها بحرية وبأسلوب استفزازي.

هذه العصابات ليست مجرد جماعات منفلتة، بل جزء من منظومة السلطة في مدينة تعز، والسلطة في تعز هي في الواقع تحت إدارة حزب الإصلاح. أما القول بأن إدارة المدينة تتم عبر مؤسسات الدولة أو أشخاص ينتمون إلى أحزاب متعددة، فهو تبرير لا يقنع أحدًا، فالجميع يعلم أن الإصلاح هو من يدير تعز سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا، سواء عبر مؤسسات الدولة أو الجماعات المسلحة التابعة له. لذلك، تقع المسؤولية الكاملة عن الجرائم وسوء الإدارة التي شهدتها المدينة على عاتق الإصلاح.

على مدى السنوات الماضية، شهدت تعز سلسلة من الجرائم التي نفذها بلاطجة معروفون، من أمثال غزوان، وغيره، وشملت هذه الجرائم القتل والابتزاز والبلطجة. كنا نسمع بيانات رسمية تعلن القبض على هؤلاء، ثم لا يلبث الشارع أن يُفاجأ بجريمة جديدة يرتكبها الشخص ذاته الذي قيل إنه أُوقف. هذا النمط المتكرر يؤكد أن المجرمين يحظون بحماية ممنهجة، وأن هناك تسترًا متعمدًا على جرائمهم، ما يشير إلى أن القضية أكبر من مجرد تقصير إداري.

اليوم، ومع جريمة مقتل افتهان، بلغ الإجرام حدًا غير مسبوق. فطريقة التنفيذ، والشخصية المستهدفة، تؤكد أن من خطط ونفذ لم يكن ليتحرك إلا وهو واثق من الإفلات من العقاب. والدليل أن القاتل الفعلي لم يُلقَ القبض عليه حتى هذه اللحظة، مما يثبت أن الحماية التي يتلقاها جزء من منظومة متكاملة وليست مجرد حماية فردية.

بدلًا من انشغال الإصلاحيين بالدفاع الأعمى عن حزبهم، ومهاجمة من ينتقدهم، كان عليهم أن يسألوا أنفسهم: أين كنّا طوال السنوات الماضية بينما كان هذا العبث يتم أمام أعيننا؟

إن الفلتان الأمني الذي تعيشه تعز لم يكن نتيجة صدفة أو أخطاء فردية، بل هو نهج نمطي تتبعه المنظومة المتحكمة بالمدينة. وإذا أراد الإصلاحيون أن يصدقهم الناس في رفضهم لهذه الجريمة، فعليهم أن يدينوا هذا النهج بكامله، وأن يعترفوا بمسؤوليتهم السياسية والأخلاقية. فالاكتفاء بإدانة الحادثة أو منفذيها لن يقنع أحدًا، ولن يغيّر حقيقة أن المشكلة هي في النهج الذي سمح بتكرار مثل هذه الجرائم.

عبد الناصر المودع

زر الذهاب إلى الأعلى