الأزمة الحزبية في اليمن: قراءة في تداعيات حادثة المشهري وانكشاف البنية السياسية الهشة
أعادت حادثة المشهري إلى الواجهة مشهد الانقسام السياسي العميق في اليمن، وكشفت عن مأزقٍ بنيوي تعانيه القوى الحزبية منذ عقود، يتمثل في عجزها عن تجاوز موروث الصراع والمكايدة السياسية، وانغماسها في إعادة إنتاج الخطابات القديمة التي أسهمت في إضعاف الدولة والمجتمع معاً. فالحدث لم يُقرأ باعتباره قضية عدالة أو قانون، بل جرى توظيفه في إطار صراع النفوذ بين الأحزاب، وهو ما يعكس خراب البنية الذهنية للحزب اليمني التقليدي.
أولًا: العقل الحزبي بين التكلس والمكايدة
أظهرت التفاعلات السياسية والإعلامية المرتبطة بحادثة المشهري أن الخطاب الحزبي ما يزال أسيرًا للثنائيات القديمة، وأن الأحزاب اليمنية لم تستطع التحول من أدوات صراع سلطوي إلى مؤسسات سياسية وطنية.
فـ«حزب الإصلاح»، الذي يفترض به أن يكون امتدادًا لخطاب التغيير والثورة، عاد لتبنّي لغة التبرير والدفاع المشابهة لخطاب نظام صالح الذي كان يومًا أحد خصومه الرئيسيين. وفي المقابل، يتعامل أنصار المؤتمر الشعبي العام مع الأزمة من موقع الإنكار والتبرؤ من إرثهم السياسي، متناسين مسؤوليتهم التاريخية عن تفكيك بنية الدولة خلال العقود السابقة.
أما اليسار اليمني، الذي يُفترض به أن يقدم رؤية نقدية بديلة، فما زال غارقًا في ثاراته الأيديولوجية القديمة، ويعيد إنتاج مواقفه من الماضي أكثر من تقديم قراءة موضوعية للمستقبل، في لحظة تاريخية تتطلب مراجعة شاملة للخطاب السياسي اليساري.
ثانيًا: من الصراع الحزبي إلى عبث الواقع
إن المشهد الذي تكشفه هذه التفاعلات لا يعبر عن حيوية سياسية بقدر ما يعكس انغلاقًا فكريًا وتنظيميًا جعل الأحزاب اليمنية غير قادرة على ممارسة دورها في بناء الدولة. لقد تحولت الأزمات الوطنية إلى مسرحٍ للعبث الحزبي، حيث يتسابق الجميع على تسجيل النقاط الإعلامية والمواقف الخطابية، بينما تقترب المليشيات من أبواب تعز وتواصل تقويض ما تبقى من فكرة الدولة.
ثالثًا: الأزمة أعمق من الحادثة
حادثة المشهري ليست سوى عرضٍ لأزمة أعمق، تتمثل في انهيار مفهوم الحزب الوطني وتحول التنظيمات السياسية إلى تكتلات هوياتية أو مناطقية أو مصلحية. فبدل أن تكون الأحزاب أداة لترسيخ العدالة والديمقراطية، أصبحت حبيسة ذاكرة الصراع، مما جعلها عاجزة عن التفاعل مع الواقع بوعي نقدي أو مسؤولية وطنية.
أخيراً
تكشف هذه الحادثة، بما أثارته من انقسامات وردود أفعال، عن انسداد أفق العمل الحزبي في اليمن، وعن غياب مشروع وطني جامع يمكن أن يتجاوز ترسبات الماضي. إن استمرار هذا النمط من التفكير سيؤدي إلى إعادة إنتاج الفشل ذاته، بينما تحتاج البلاد إلى مراجعة فكرية عميقة تعيد تعريف معنى السياسة بوصفها أداة لبناء الدولة لا وسيلة للمكايدة والانتقام.