الدكتور الظاهري المخلص لوطنيته والنزيه في سلوكه
في أواخر الثمانينيات التقيت بمحمد الظاهري، وكان حينها يعمل في معهد الميثاق الوطني، وحديث التخرج من الجامعة الأردنية، فيما كنت في سنتي الأخيرة في جامعة صنعاء. جمعنا الحماس ذاته لتغيير ما اعتقدنا حينه انه واقع سيئ في تلك الفترة، رغم أن الكثيرين يعتبرون ذلك الوضع جنة قياسا بالحاضر. أذكر أنني اقترحت عليه أن نعمل على تثوير المجتمع ضد النظام، غير أن الفكرة لم تتجاوز حدود النقاش حينها. ومع مرور الوقت، بدأت قناعاتي تميل من الفعل الثوري إلى الإصلاح التدريجي، بينما ظل محمد الظاهري مؤمنًا بأن التغيير الثوري هو السبيل لتطوير اليمن. وكان كلما التقاني لاحقًا يعاتبني على ما اعتبره انطفاءً للحس الثوري لدي.
وخلال أحداث 2011 كان الظاهري في مقدمة الصفوف، مؤمنًا بأهمية التغيير الثوري. ورغم أنني شاركته الرغبة في إنهاء حكم علي عبدالله صالح، فقد كنت أتصور – أو أتوهّم – أن ما سيحدث لليمن هو "تغيير في النظام" لا "تغيير للنظام"، وكنت أرى أن ذلك هو الخيار الأسلم لليمن.
فقد كنت أعوّل على نضج النخبة السياسية اليمنية، سواء في المعارضة أو في نظام صالح أو بين المنشقين عنه، وكنت أعتقد أن الإقليم والعالم سيسهمان في رعاية انتقال سلس وسلمي للسلطة ،دون الحاجة إلى ثورة جذرية كما أرادها الظاهري وكثير من المعتصمين في الساحات.
لكن تلك الأوهام تبددت سريعًا بعد أن أثبتت النخبة السياسية بكل أطيافها تفاهتها وسوء نواياها وارتهانها للخارج، وهو ما قاد البلاد إلى ما نعيشه اليوم. أما الدكتور محمد الظاهري، فظل مخلصًا لوطنيته، نزيهًا في سلوكه، متواضعًا في حياته. فبعد أحداث 2011، ورغم دوره البارز في تحفيز الشباب وتعرضه لإصابة أثناء إحدى المسيرات، لم يسعَ إلى استثمار نضاله أو الحصول على منصب تحت شعار "المناضل الثائر"، بل واصل عمله الأكاديمي بكل شرف ونزاهة.
ورغم التضييق الذي مارسه الحوثيون عليه، استمر في أداء واجبه لسنوات تحت سلطتهم القمعية حتى اضطر لمغادرة اليمن إلى تركيا لعلاج مضاعفات إصابته. وهناك اكتشف أن ما أصابه أخطر من رصاصة القناص اللعين في ما سمي بمسيرة كنتاكي؛ حيث تبين أنه مصاب بالسرطان. ومن حينها تجاهل علاج الاصابة وتفرغ لعلاج السرطان الذي استمر يصارعه لأكثر من خمس سنوات. ومنذ ذلك الحين بدأت رحلة طويلة من الألم والعزلة والعلاج، حتى أصبح في عامه الأخير غير قادر على الكلام فانقطع تواصلي الصوتي معه.
كان يردد دائما إنه غير خائف من الموت ومستعد له، وبالفعل كان مستعدا له بقلب طاهر، واعمال نبيله ونفس نقية.
رحمك الله يا صديقي محمد الظاهري، فقد رحلت وأنت متمسك بمبادئك وأخلاقك حتى آخر لحظة. سنفتقدك، وسنبقى نذكر فيك صفاء الروح ونبل الخلق ونزاهة القلب التي قلّ نظيرها.