البعض عندما يبحثون عما يدين خصمهم
تكتب شيئًا ما في الشأن العام اليمني، فيذهب بعض القرّاء إلى البحث عمّا يُدين خصمهم كما يشتهون، بعباراتهم ومستوى لغتهم التي حبسوا أنفسهم داخلها.
يقفزون على السطور، ولا يُمهِلون أنفسهم هُنيهةً للفهم وإدراك المعنى القريب والبعيد. ينظرون إلى الكتابة على أنّها فعلٌ مُكرَّسٌ للاغتيال، للنَّيل، للمنازلة والإطاحة، وليست للتفكير وفتح آفاقٍ أُخرى وتجريب زوايا أُخرى.
فإذا لم يجدوا ما يناسبهم نفروا.
بعضهم يرى فيما تكتب تعاليًا على الفكرة وامتطاءً للعلم بالزيف، وآخرون يرون فيه انزلاقًا خطيرًا ونكوصاً عن خط الالتزام، يهمهمون وهم يكتبون اسمك على بطاقة انتماءٍ صمّموها لك.
كانوا يحسبونك منهم فإذا بهم يلقونك من الآخرين.
يتشابهون مهما ادّعوا الافتراق وتعدد المشارب، يتماثلون كأقفال الشبابيك الحديديّة. صنعتهم مكينة حزبية واحدة وجعلت لكل واحد منهم لوناً لا غير.
كي يكتبوا بطاقتك يرفعون أيديهم فوق رؤوسهم، لقد غرقوا في وحلِ التعصّب، وكلَّ عامٍ ينغمسون شِبرًا آخر حتى بلغ بهم الوحل مبلغ الرقاب.
لم يُغادروا أماكنهم، ولا تحيّزاتهم، ولا خصوماتهم، ولا عداواتهم. يُجمّلونها ويزيّنونها ويُشذّبونها، وأحيانًا يدّعون أنّهم نسوها وتجاوزوها، ثمّ ما تلبث أن تحيا وتنبعث من الرماد.
الأجمل أنّهم يرون أنفسهم خفافًا وأكثر رشاقة، ويرون أنفسهم الأعلم والأكثر رزانة، بل يرون أنفسهم الأكثر وطنيةً والتزامًا وسدادًا، وبالطبع الأطهرَ والأقربَ إلى الله.
لا تملك إلّا أن تهنّئهم على قوّتهم في البقاء طيلة هذه السنوات في المكان نفسه، وعلى الوقفة نفسها، رغم أنّ مياهًا كثيرةً جرت بين أقدامهم، إلّا أنّها لم تغسلهم، بل حملت إلى أقدامهم أدرانًا أخرى تكبر مع السنين.
يبدو أنّ 2011 لم تكن مجرّد ثورةٍ شعبيةٍ وثورةٍ مضادّة، بل كانت سدّادةً فلّينيةً سقطت على الآذان، وكانت غشاوةَ أحقادٍ وقعت على العيون،
والحقدُ يُزيل اللُّبابَةَ واللَّباقة.
