حزب الإصلاح وثورة فبراير: ثقل المشاركة ومفارقة النتيجة

Author Icon الدكتور |● عبد القادر الخلي

نوفمبر 22, 2025

مثّلت ثورة 11 فبراير 2011 في اليمن نقطة تحول سياسية وجيواستراتيجية غير مسبوقة، إذ كشفت البنية العميقة للفاعلين المحليين، وأعادت توزيع القوة بين الأحزاب التقليدية والقوى الصاعدة.

كان حزب التجمع اليمني للإصلاح أحد أبرز الفاعلين الذين دخلوا الثورة بثقل كبير وقدرة تنظيمية عالية، وهو ما جعله الطرف الأكثر حضورًا في المشهد الثوري.

غير أن المفارقة الكبرى تكمن في أن الثقل الذي دفعه الحزب في الميدان لم ينعكس على شكل مكاسب سياسية واضحة بعد سقوط نظام علي عبدالله صالح، بل ذهبت مساحات النفوذ في نهاية المطاف إلى قوى أخرى—خصوصًا الحركة الحوثية وشبكات النفوذ القروية في شمال الشمال—في تحوّل مثير يحتاج قراءة تحليلية معمّقة في بنية القرار الإصلاحي ومحددات الفعل السياسي خلال سنوات التحول.

أولًا: بنية الفعل السياسي للإصلاح قبل الثورة

قبل 2011، كان حزب الإصلاح جزءًا من معادلة السلطة التقليدية عبر تحالفه مع الرئيس صالح منذ 1990 وحتى نهاية التسعينات. اعتمد الحزب على ثلاث ركائز أساسية:
1. النفوذ الديني-المؤسسي عبر شبكة واسعة من المؤسسات التربوية والدعوية.

2. قدرة تعبئة اجتماعية عالية داخل المدن الكبرى والقبائل المتحالفة.

3. حضور فاعل داخل البرلمان والاتحادات المهنية.

لكن هذا النفوذ ظل محكومًا بإطار تقليدي، لا يؤسس لرؤية استراتيجية مستقلة لبناء الدولة، بل يركز على توازنات السلطة اليومية مع النظام السابق. هذه البنية التقليدية ظهرت بوضوح عندما اندلعت الثورة، فكان رد الفعل تكتيكيًا أكثر منه تخطيطيًا طويل المدى.

ثانيًا: دخول الإصلاح ثورة فبراير – قوة الحشود وغياب الرؤية

1. كثافة المشاركة

دخل الإصلاح الثورة بقوة ميدانية وتنظيمية جعلته الفاعل الأبرز داخل ساحات الاحتجاج. قدرته على التعبئة، وإدارة الحشود، وتنظيم الخدمات داخل الساحات، أعطته حضورًا سياسيًا كبيرًا مقارنة بالقوى الشبابية أو المدنية.

2. الأزمة الاستراتيجية: الثورة بوصفها فرصة تكتيكية

تعامل الإصلاح مع الثورة باعتبارها نافذة لتغيير موقعه داخل النظام السياسي، أكثر من كونها لحظة تأسيسية لإعادة بناء الدولة.
لم يقدّم الحزب تصورًا واضحًا لما بعد إسقاط النظام، ولم يشتبك مع الأسئلة الكبرى:

شكل الدولة،

إصلاح المؤسسة العسكرية،

إعادة توزيع السلطة،

بناء عقد اجتماعي جديد.

أدى هذا القصور إلى تحويل دوره من "فاعل مؤسس" إلى "قوة داخل لحظة ثورية"، وهي لحظة لا تكفي وحدها لصناعة مكسب سياسي دائم.

ثالثًا: مرحلة ما بعد المبادرة الخليجية – الفراغ السياسي وتآكل النفوذ

1. إدارة السلطة الانتقالية دون قيادة مركزية للإصلاح

بعد توقيع المبادرة الخليجية، توزعت السلطة بين أطراف متعددة داخل الحكومة والجيش، ولم يمتلك الإصلاح القدرة على إرساء نفوذ مؤسسي يوازي حجمه في الثورة.

في هذه المرحلة:

توزعت مراكز القرار بين الرئاسة، وشبكات النفوذ العسكرية، والقوى الجهوية،

ظل نفوذ الإصلاح منتشرًا اجتماعيًا لكنه غير مترجم سياسيًا داخل مؤسسات الدولة.

2. صعود القوى القروية وشبكات النفوذ القديمة

في الفراغ الذي نشأ عقب إعادة هيكلة الجيش، أعادت شبكات النفوذ القادمة من عمران وصعدة توسيع حضورها داخل المؤسسة العسكرية، بينما بقي الإصلاح يركز على الجهاز المدني والحضور الاجتماعي.
هذا الخطأ الاستراتيجي مكّن خصومه من بناء قوة صاعدة على الأرض.

3. صعود الحركة الحوثية

استغلت جماعة الحوثي الانقسام داخل قوى الثورة، والصراع بين الإصلاح وشبكات النفوذ القبلية، وتقدمت عسكريًا خطوة بعد أخرى، إلى أن وصلت صنعاء في 2014.
في تلك اللحظة، كان الإصلاح قد فقد القدرة على إدارة معادلة القوة، رغم أنه كان الطرف الأكثر حضورًا في الثورة قبل ثلاث سنوات فقط.
رابعًا: مفارقة النتيجة – لماذا استفاد الآخرون من ثقل الإصلاح؟

1. غياب المشروع السياسي ذي الإطار الوطني

رغم امتلاك الإصلاح تنظيمًا ضخمًا، إلا أنه لم يمتلك مشروعًا وطنيًا شاملاً يعيد تعريف الدولة.
في المقابل:

الحوثيون امتلكوا مشروعًا عقائديًا واضحًا،

القوى القروية امتلكت مشروع استعادة النفوذ،

القوى الجنوبية امتلكت مشروعًا انفصاليًا أو ذاتيًّا واضحًا.

التاريخ السياسي يؤكّد أن التنظيم مهما كان كبيرًا يفقد النفوذ إذا لم يمتلك مشروعًا جامعًا.

2. سوء تقدير التحالفات

دخل الإصلاح في صراعات جانبية مع القوى القبلية، ومع المؤتمر الشعبي العام، ومع بعض القوى المدنية، بدلاً من بناء جبهة وطنية متماسكة.
هذا التآكل في التحالفات جعل الحزب وحيدًا في مواجهة خصوم متعددين.

3. الفجوة بين القوة التنظيمية والقوة المؤسسية

الإصلاح قوي في المجتمع، ضعيف في المؤسسات.
بينما الحوثيون والقوى العسكرية القروية ضعيفة اجتماعيًا لكنها قوية داخل البنية الصلبة للدولة (السلاح، الأمن، شبكات النفوذ).
هذه المفارقة حسمت الصراع لصالح الأطراف الأقل شعبية لكنها الأكثر تنظيمًا عسكريًا.

خامسًا: الدلالات السياسية للتجربة

1. الحشود لا تصنع دولة
القوة الميدانية وحدها لا تنتج نفوذًا سياسيًا دائمًا، ما لم تُترجم إلى مؤسسات.

2. غياب مشروع الدولة يفتح الباب لمشاريع ما قبل الدولة
وهذا ما حدث مع صعود الحوثيين.

3. الفاعلون الأكبر حجمًا قد يخسرون لصالح الفاعلين الأصغر تنظيمًا
وهي قاعدة تتكرر في معظم الثورات العربية.

خاتمة

يقدّم مسار حزب الإصلاح في ثورة فبراير درسًا شديد الأهمية في التحول السياسي:
الثورات لا تكافئ من يشارك فيها أكثر، بل تكافئ من يمتلك رؤية أشمل وقدرة أعلى على هندسة ما بعد الثورة.
ورغم أن الإصلاح كان الطرف الأكثر حضورًا في ساحات فبراير، إلا أن افتقاده لرؤية استراتيجية، وإدارته الصراعات بطريقة تكتيكية، وعدم قدرته على ترجمة القوة الاجتماعية إلى قوة مؤسسية، كلها عوامل جعلت نتائج الثورة تذهب لخصومه، وليس إليه.
إن قراءة هذه التجربة ليست محاكمة للحزب، بل محاولة لفهم طبيعة الفعل السياسي اليمني خلال عقد كامل من التحول، والاستفادة من دروسه في أي عملية بناء وطني مستقبلية.

زر الذهاب إلى الأعلى