ما وراء إقالة بن ماضي وتعيين الخنبشي محافظًا لحضرموت؟
تمثّل التغييرات الأخيرة في منصب محافظ حضرموت لحظة مفصلية في إعادة تشكيل موازين القوى داخل المحافظة، وفي بنية العلاقة المتوترة بين السعودية والإمارات. فقرار إقصاء مبخوت بن ماضي وتعيين هشام الخنبشي لم يكن خطوة إدارية بقدر ما هو انعكاس صريح لصراع النفوذ بين أبوظبي والرياض، وصراع موازٍ حول من يمتلك القدرة على صياغة مستقبل حضرموت سياسيًا وعسكريًا.
أولًا: السياق العام – إرث شبوة ومرحلة ما بعد إسقاط بن عديو
تجربة شبوة عام 2021–2022 ما تزال حاضرة بقوة في تفسير ما يجري اليوم في حضرموت. فمنذ إقالة محمد صالح بن عديو وصعود عوض الوزير –وهو صعود ارتبط بتحولات إقليمية أكثر من كونه ضرورة محلية– ظهرت أنماط واضحة في سلوك أبوظبي، من بينها:
●. استخدام المحافظ الجديد كأداة شرعية ،لتمكين الانتقالي من التمدد في بيئة اجتماعية رافضة له.
●. إعادة هندسة الخارطة الأمنية عبر مليشيات مصنَّعة إماراتيًا على حساب القوى المحلية المؤسساتية.
●. تداخل مريب بين الانسحابات العسكرية وتسليم الجبهات للحوثيين في بيحان وعسيلان والعين، وهو ما أثار جدلًا واسعًا حول الصفقات والتفاهمات السرية التي سبقت التغيير الإداري.
يُجمع عدد من المراقبين أن التحالف السعودي–الإماراتي آنذاك تبادل الأدوار:
السعودية ضغطت على الرئيس هادي لإقالة بن عديو، مقابل تعهّد إماراتي بعدم مزاحمة النفوذ السعودي في حضرموت.
لكن أبوظبي ـ كما يظهر لاحقًا ـ لم تلتزم بذلك، مما فجر حالة عدم الثقة التي تتجلى اليوم في ملفات الساحل والوادي.
ثانيًا: حضرموت – ساحة النفوذ المؤجّلة
تاريخيًا، كانت حضرموت منطقة نفوذ سعودي بامتياز. ومع صعود المجلس الانتقالي وتوسع الإمارات في المكلا منذ 2016، تغيّر ميزان القوى تدريجيًا.
بن ماضي –على الرغم من قربه النسبي من الرياض– كان يمنح غطاءً شرعيًا لوجود القوى المدعومة إماراتيًا في الساحل، وهو ما جعل الإمارات تراهن عليه كصمام أمان لاستمرار نفوذها، خاصة مع الضغوط الاجتماعية المتصاعدة من حلف قبائل حضرموت الذي يرى في الوجود الإماراتي تهديدًا لبنية المحافظة وهويتها.
ومع تصاعد التوتر السعودي–الإماراتي، تحوّل بن ماضي إلى “عبء سياسي” بالنسبة للرياض، لأنه ـ من وجهة نظرها ـ بات ورقة يمكن أن تُستخدم ضدها لمنح الانتقالي شرعية مواجهة الحلف والسيطرة على الهضبة والوادي.
ثالثًا: لماذا الخنبشي؟
من الورقة الإماراتية إلى الورقة السعودية**
تعيين هشام الخنبشي لا يمكن قراءته بمعزل عن لحظة التعطيل التي تعيشها العلاقة بين الرياض وأبوظبي. فالتوقعات الأولية تشير إلى أن الخنبشي قد يتخذ خطًا مغايرًا تمامًا لمسار بن ماضي، لعدة أسباب:
■. ليس محسوبًا على المشروع الإماراتي، ولا يمتلك مصالح متشابكة مع تشكيلات الانتقالي.
■. أكثر قربًا من المزاج السياسي والاجتماعي الحضرمي الذي يمثله حلف القبائل.
■. قد يرفض منح الغطاء الشرعي لأي عملية عسكرية إماراتية في الهضبة أو الوادي.
■. والأهم: أنه قد يشكّل منصة لعودة المنطقة العسكرية الأولى –بدعم سعودي– إلى مسرح التأثير العسكري، خصوصًا إن اندفعت الرياض نحو خيار تمكين القوى المحلية على حساب التشكيلات المدعومة من أبوظبي.
هذا يعيد إنتاج معادلة شبوة ولكن بصورة معاكسة:
الرياض الآن تستخدم أدواتها السياسية لإعاقة التقدم الإماراتي، كما استخدمت أبوظبي أدواتها سابقًا لعزل بن عديو وتمكين نفوذها.
رابعًا: الانفجار المحتمل – غياب التفاهم السعودي–الإماراتي
تشير التطورات الحالية إلى انسداد آفاق أي اتفاق بين الطرفين على إدارة ملف حضرموت. وتبدو الخطوات السعودية الأخيرة مؤشرًا واضحًا على:
رغبة الرياض في استعادة الملف من أبوظبي بشكل كامل.
عدم استعدادها لقبول وجود مليشيات خارج سياقها الأمني.
خشيتها من تكرار سيناريو شبوة تحت تهديد توسع الانتقالي في بيئة حضرمية غير متقبلة له.
هذا الانسداد يجعل المشهد مفتوحًا على احتمالات تصعيد واسعة، أبرزها:
●. صدام مباشر بين القوى المدعومة من الطرفين.
●. تحريك الحلف القبلي لتحصين الهضبة والوادي.
●. محاولات إماراتية لإعادة تموضع عبر أدوات سياسية أو اقتصادية، وليس فقط عسكرية.
إقالة بن ماضي ليست حدثًا إداريًا بل علامة على تحوّل استراتيجي في ميزان القوى داخل حضرموت.
السعودية، التي شعرت بأن أبوظبي تجاوزت خطوط التفاهم القديمة، قررت استخدام أدوات “شبه مؤسسية” لقطع الطريق على تمدد مشروع الانتقالي.
في المقابل، لا يبدو أن الإمارات ستتراجع بسهولة، مما يجعل حضرموت مرشحة لتكون ساحة المواجهة الأهم بين الطرفين في المرحلة المقبلة، وقد تشهد الأسابيع القادمة خطوات تصعيدية حاسمة إذا استمر غياب التفاهمات الثنائية.
القرار إذن ليس مجرد تغيير محافظ، بل مقدمة لإعادة هندسة المشهد اليمني في الشرق، ولبداية فصل جديد من التنافس السعودي–الإماراتي على النفوذ داخل اليمن.