تعز ومأرب بين ضرورات الشراكة وخيارات الجنوب
تواجه تعز ومأرب اليوم تحديًا مركزيًا يتجاوز حدود الجغرافيا والصراع المباشر، ويتصل بطبيعة المقاربة السياسية التي تتبنّاها القوى المناهضة للحوثيين. فالديناميات المتسارعة في الجنوب، وصعود المجلس الانتقالي بوصفه فاعلًا سياسيًا وأمنيًا يمتلك نفوذًا متماسكًا، تجعل من الجنوب —بما يمثله من استقرار نسبي وعمق استراتيجي— عنصرًا حاسمًا في أي معادلة إنقاذ حقيقية لتعز ومأرب على حد سواء.
وبينما استمر الخطاب السياسي في بعض الدوائر الحزبية في الشمال في بناء تصور يقوم على "الاحتكار الأخلاقي للوطنية" وتخوين الآخر، برزت الحاجة الملحّة لتغيير هذا النمط الخطابي الذي لم يُنتج سوى مزيد من القطيعة مع الواقع. فالمجلس الانتقالي، على اختلافات المواقف تجاهه، قدّم منذ البداية مشروعًا سياسيًا واضحًا، يستمد شرعيته من حضور اجتماعي وجغرافي ممتد، ومن قدرة عملية على إدارة مناطق نفوذه. تجاهل هذا المعطى أو التعامل معه باعتباره ظاهرة عابرة لا يخدم استعادة الدولة، بل يعمّق الانقسام داخل المعسكر المناهض للحوثيين.
إن اعتماد خطاب عقلاني ومنفتح تجاه الجنوب ليس دعوة لتمرير خيارات سياسية جاهزة، بقدر ما هو شرط لاستعادة الحد الأدنى من الفعالية المشتركة.
فمن غير المنطقي أن تستمر بعض القوى في مهاجمة التحالف الإقليمي —السعودية والإمارات— ليلًا ونهارًا، ثم تعود لتسأل عن سبب غياب الدعم، أو تتساءل عن تضاؤل التأييد الإقليمي لمعارك التحرير. إن العمل السياسي لا يستقيم في بيئة مزدوجة المعايير، ولا يمكن أن تُبنى التحالفات على خطاب شعبوي يتقلب بين النزعات الهجومية والتوقعات المرتفعة.
ومن هنا تبرز الحاجة إلى نهج واقعي يتضمن:
● وقف خطاب الشيطنة تجاه أي فصيل سياسي داخل المعسكر الجمهوري.
● بناء مسارات تفاهم منتظمة مع المجلس الانتقالي والقوى الجنوبية عمومًا، بوصفها جزءًا من الحل وليست جزءًا من المشكلة.
● التمسك بدولتي التحالف كونهما رافعة للاستقرار السياسي والاقتصاد لليمن .
● وقف الحملات الاعلامية ضد دولتي التحالف من قبل نشطاء التواصل الاجتماعي
إن مستقبل تعز ومأرب —وهما آخر معاقل الدولة في الشمال— بات مرتبطًا بدرجة كبيرة بقدرة القوى المناهضة للحوثيين على تجاوز الانقسامات الداخلية ، وقراءة التحولات الجنوبية باعتبارها فرصة لا تهديدًا. ولا يمكن لأي مشروع وطني أن ينهض على قاعدة الاصطفاف القديم أو الخطابات المؤدلجة التي تجاوزها الواقع.
لقد آن أوان الانتقال من مرحلة «الشعارات الجوفاء» إلى مرحلة «إدارة التحالفات»، ومن خطاب المواجهة الكلامية إلى خطاب التعقّل السياسي. فاللحظة المفصلية التي تمر بها البلاد تتطلب إعادة تعريف الوطنية بوصفها مشروعًا مفتوحًا ومتعدد الأطراف، لا ملكية حصرية لفصيل أو منطقة.
وفي نهاية المطاف، فإن استعادة العاصمة صنعاء—لن تتحقق إلا من خلال مقاربة شاملة تتعامل مع الجنوب كاحليف استراتيجي، لا خصمًا، ومع القوى الإقليمية كارافعةً للاستقرار والاقتصاد اليمني، وليس خصمًا افتراضيًا. ذلك هو مسار السياسة الرشيدة، وهو وحده الكفيل بمنح تعز ومأرب "طوق النجاة" الذي تحتاجانه في لحظة اشتداد العاصفة.